ضل الغيمة : الفاتح بهلول

في تطور لافت، أصدر المارشال مني أركو مناوي قرارات قضت بعزل وتجميد عضوية عدد من القيادات التاريخية للحركة، قطعًا مثل هذه القرارات لم تكن بمحض الصدفة، بل جاءت نتيجة لتراكمات ظل مناوي يغُض الطرف عنها رغم ظهورها على السطح، بيد أن ردة الفعل كانت بعد ساعات من صدورها بقيام مؤتمر صحفي في كمبالا، الغرض منه تكوين لجنة تحضيرية لقيام مؤتمر الحركة العام. وهذا بدوره يؤكد أن تلك القيادات عقدت العزم على قلب الطاولة على مناوي بعزله أو تأسيس جسم جديد تقوده تلك القيادات وهي معلومة للناس. ليظل السؤال المحوري قائمًا: هل يا ترى ستلتحق تلك القيادات بتأسيس؟ أم أن لديها رؤية أخرى؟ إلى متى تظل حركات الكفاح المسلح تتقسم بهذه الصورة؟ ما هو موقف القيادة الميدانية مما يحدث من قبل ساسة الحركة؟

الملاحظ أن القادة الذين ظهروا في المؤتمر الصحفي بكمبالا، بعضهم فضل التجوال بين عواصم العالم هروبًا من الراهن الأمني والسياسي للدولة، وبعض آخر اكتفى بالإقامة في كمبالا والمشاركة في النشاط الثقافي والاجتماعي. بالتالي يبدو أن هناك مياهًا جرت تحت الجسر قادت لهذا التغير المفاجئ لتلك القيادات التي أقامت مؤتمرها الصحفي، والذي تشير تحركاته إلى تصعيد حدة التوتر والانقسام داخل الحركة، خاصة إذا ما نظرنا إليه باعتباره تغيرًا جذريًا في المواقف بذريعة أن الانحياز للجيش مخالفة صريحة ارتكبتها القيادة، مع العلم أن هذه القيادات تعلم يقينًا بأن حركتي حجر والهادي إدريس تقاتلان الآن في صف مليشيا الدعم السريع. أين كانت لحظتئذٍ؟ على خلفية ذلك، تظل التشكيلات الجديدة التي تسعى لسحب الثقة من قيادة مناوي بمثابة المضي في ذات الطريق الذي سلكه الطاهر والهادي وصندل، يقضون النهار في دعوة “لا للحرب”، ويسهرون الليل في خندق الدعم السريع. وظهور مطالب داخلية بترميم الجهاز السياسي للحركة وإعادة توجيهه نحو أهدافه الأصلية عبارة عن كلمة حق أريد بها باطل. بالتالي، فإن عملية الوصول إلى رؤى مشتركة أحسبها ضربًا من ضروب المحال، لأن تحركات هؤلاء معلومة للقاصي والداني، الأمر الذي قاد إلى عزل هذه القيادات وتقديمها للمحاسبة.

إن إعلان وتدشين النشاط السياسي للفاضل التجاني، والذي استضافته “طيبة بريس” تحت مسمى “الحركة الديمقراطية للتغيير”، يشير إلى أن أحد قادة مؤتمر كمبالا الصحفي قد أعلن انشقاقه قبل نشوب حرب الخامس عشر من أبريل، بيد أن القائد مناوي ترك الحبل على القارب ليرى في أي شاطئ سيرسو هذا القارب. وهذا بدوره يشير إلى مدى دهاء مناوي السياسي، إذ يترك الفاضل ما بين مطرقة النظر إليه بأنه غواصة وسط ناس تأسيس وسندان عدم نيل شرف العزل في أوانه. لذلك، لم تجد الحركة الديمقراطية للتغيير من يعينها بأي تعبير، رغم مشاركتها في مؤتمر التأسيس بنيروبي. على ضوء ذلك، أراد منصور العودة إلى المشهد السياسي عبر بوابة جديدة تُدعى “صمود”.

عموماً، تظل دولة الإمارات تدفع بدراهمها طالما أن حلمها بتفتيت السودان لم يتحقق بعد، ومجموعة كمبالا أحد الكروت التي تحاول الأمارات اللعب بها. فعلى مناوي التغيير من نهجه حتى لا تُعيد تاريخ انشقاقات سبتمبر 2020 نفسها، علاوة على استقالة أمين الشباب والطلاب خلال العام 2023. الحل يكمن في عدم الانفراد بمصير الحركة وتوسيع دائرة الشورى، فضلًا عن ترسيخ مفاهيم قومية توجه الحركة، لا سيما وأنها تقود معركة أريد للسودان الابتلاع من خلالها. وهذا بدوره يجعل من القيادة العسكرية أكثر تماسكًا، والشاهد على ذلك خوضها للمعارك القتالية بكافة الجبهات ضمن القوة المشتركة، في الوقت الذي تسعى فيه بعض القوى “الدولارية” لإحداث تصدعات وسط حركة وجيش تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي، كي يتبين للعالم دواعي تلك القرارات: أتصحيح مسار هي أم انشقاقات؟

Exit mobile version
Share via