ضل الحراز: علي منصور حسب الله
لا يُخفى على أحد اليوم أن نيابة المعلوماتية تمثل حجر الزاوية في حماية الأمن المعلوماتي وهي خط الدفاع الأول في مواجهة الجرائم الإلكترونية التي أصبحت تهديداً صريحاً ومتنامياً للأفراد والمؤسسات بل والدول ذاتها ففي ظل التحول الرقمي المتسارع واعتمادنا المتزايد على الفضاء السيبراني في كل شيء من أبسط التعاملات اليومية إلى أكبر التحولات الاقتصادية والسياسية باتت هذه النيابة ضرورة وطنية لا تحتمل التهميش حيث تلعب نيابة المعلوماتية دوراً حيوياً في تحقيق الأمن المعلوماتي وحفظ الحقوق الرقمية الناتجة عن الاستخدام المشروع للحواسيب والشبكات بما يشمل حماية البيانات الشخصية والحسابات البنكية، والمراسلات الخاصة والملفات الرقمية التي تمثل اليوم جزءاً من الهوية القانونية والاقتصادية لأي مواطن وتزداد أهمية هذه النيابة في ظل التوسع السريع للجرائم الرقمية مثل الاحتيال المالي الإلكتروني والابتزاز عبر الإنترنت وسرقة الهوية والبيانات الحساسة واختراق الأنظمة المعلوماتية للجهات الحكومية والخاصة ونشر المحتوى المسيء أو التحريضي كلها جرائم تنمو بتطور أدوات الجريمة نفسها إذ أن المجرم الإلكتروني لم يعد هاوٍ خلف شاشة بل شبكة عالمية من الجناة المدربين والمجهزين ما يتطلب جهاز عدلي متخصص ومجهز تقنياً يمتلك القدرة على تتبع الأدلة الرقمية المعقدة وتحليلها وتقديمها في إطار قانوني قابل للاعتراف أمام المحاكم لا يقتصر دور نيابة المعلوماتية على الجانب الأمني فقط بل يمتد إلى حماية الاقتصاد الوطني خاصة في ظل توجه الدولة نحو الرقمنة والتوسع في الحكومة الإلكترونية والمعاملات المصرفية عبر الإنترنت، والتجارة الإلكترونية.
فمكافحة الجريمة الرقمية يعزز الثقة في هذه المنظومة ويشجع المستثمرين على التعامل الآمن ويدفع بعجلة الاقتصاد الذكي وهو ما يتطلب نيابة قوية ومهيأة بمستوى التهديدات
ورغم هذا الدور الجوهري فإن نيابة المعلوماتية في مدينة بورتسودان العاصمة المؤقتة للسودان تعاني من واقع مؤسف لا يرقى لأهمية المهام المناطة بها فالنيابة تعمل من شقتين فقط تفتقران إلى أبسط مقومات العمل لا توجد مرافق صحية لائقة ولا توجد صالات انتظار تضمن كرامة المشتركين مع انعدام مياه الشرب والتكييف وضعف في التجهيزات التقنية والمكاتب المناسبة
أما الأخطر فهو النقص الحاد في الكوادر البشرية إذ يُطلب من عدد محدود من المتحرين التحقيق في آلاف البلاغات (أكثر من ألفي بلاغ للفرد في بعض الحالات) في ظروف عمل مرهقة وغير إنسانية ورغم اجتهاد وكلاء النيابة والمتحرين إلا أن الضغط الكبير يبدد جهودهم ويؤدي إلى تأخير العدالة ويترك المواطنين في طوابير الانتظار لأيام بل لشهور إضافة إلى نقص البنية التحتية والكوادر تعاني نيابة المعلوماتية أيضاً من غياب نظام تشريعي حديث ومُحدث يواكب تطور الجرائم الإلكترونية فالكثير من القوانين المعمول بها لا تزال قاصرة عن التصدي لجرائم الذكاء الاصطناعي العملات المشفرة والتلاعب بالمحتوى الرقمي ناهيك عن قضايا متقدمة مثل القرصنة السحابية أو الهندسة الاجتماعية وهو ما يتطلب تحديث التشريعات باستمرار وإنشاء تعاون مباشر مع جهات دولية متخصصة
فإذا دعونا نقترح حلول فإذا كنا جادين في بناء دولة حديثة وآمنة رقمياً فإن إصلاح وضع نيابة المعلوماتية ضرورة قصوى ويجب أن يشمل هذا الإصلاح توفير مقر حديث ومجهز بمكاتب ذكية وصالات انتظار لائقة خدمات تقنية ومرافق صحية وزيادة عدد المتحرين والكوادر المختصة عبر النقل أو التوظيف وتدريب احترافي في مجالات التحقيق الرقمي والطب الشرعي الإلكتروني
وتوفير دعم تقني متقدم يشمل برمجيات تتبع الأدلة الرقمية وتحليل البيانات الكبرى وفرض رسوم رمزية على البلاغات الإلكترونية تساهم في تحسين بيئة العمل وتُستخدم حصرياً في تطوير النيابة
وسن تشريعات جديدة ومحدثة تواكب الواقع الإلكتروني بالتعاون مع منظمات دولية وبيوت خبرة قانونية.
وحملات توعية للمواطنين حول كيفية التبليغ والحفاظ على الأدلة الرقمية وحقوقهم في الفضاء الإلكتروني
ليست نيابة المعلوماتية رفاهية بل مؤسسة حيوية في زمن أصبحت فيه الجريمة لا تحتاج إلا لنقرة زر وواقعها الحالي في بورتسودان يعكس قصوراً في الفهم الرسمي لأهمية الأمن السيبراني
إن بقاء هذه النيابة في وضعها المزري دون دعم أو إصلاح هو بمثابة تفريط في أمن الوطن الرقمي وتأخير عن ركب التطور
يجب أن نعامل هذه النيابة بحجم المهام التي تؤديها والخطر الذي تحاربه لا بما يتبقى من الميزانية وإذا أردنا سوداناً رقمياً متقدماً فلا بد أن نبدأ من هنا