الفاشر – دارفور الآن
في مشهد صادم أثار موجة غضب واسعة داخل السودان وخارجه، تداولت منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق لحظة إعدام مدني أعزل بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، على يد أحد عناصر مليشيا الدعم السريع. الفيديو أظهر الجندي وهو يستوقف الضحية ويستجوبه عن انتمائه القبلي وعمله في أحد مطاعم المدينة، قبل أن يطلق عليه النار بدم بارد، ويواصل تصويبه بسبع رصاصات متتالية بينما كان الضحية يتألم على الأرض.
هذه الجريمة، التي وُصفت بأنها “قتل على أساس الهوية”، أعادت إلى الواجهة حملات التطهير العرقي التي تنفذها مليشيا الدعم السريع منذ العام 2003م وحتى الآن ضد مكونات بعينها، وكشفت عن نمط متكرر من الانتهاكات التي تطال المدنيين في دارفور منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام. ولم يقتصر وقع الحادثة على الصدمة الشعبية فحسب، بل قوبلت بسيل من الإدانات من قيادات سياسية وحركات مسلحة ومنظمات حقوقية، التي اعتبرتها جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية تستوجب تحقيقًا دوليًا عاجلاً ومحاسبة المسؤولين عنها.
إبادة جماعية وتطهير عرقي:
إعتبر حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي أن الحادثة جزء من سلسلة انتهاكات متواصلة تمارسها مليشيا الدعم السريع بحق المدنيين، تتراوح بين الإعدامات الميدانية والاعتقالات التعسفية والتطهير العرقي لأقليات محددة.
وقال مناوي في منشور على صفحته بفيسبوك: “العالم اكتفى بمشاهدة صور الضحايا وصوت أنين المحاصرين في الفاشر، دون أي تحرك فعلي لوقف الجرائم”. وأضاف أن استمرار هذه الممارسات يعكس غياب أي رادع دولي أو محلي، محذرًا من أن المليشيات لن يكون أمامها سوى الهروب إلى المنافي إذا ما تمكنت القوات المشتركة من كسر الحصار وفتح الطرق إلى المدنيين المحاصرين.
تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية:
ووصف المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة، العقيد أحمد حسين مصطفى الجريمة بأنها “مروعة وبشعة”، واعتبر تصفية المدنيين على أساس الهوية العرقية جزءًا من استراتيجية ممنهجة لترهيب السكان المدنيين والسيطرة على المناطق.
كما أشار بحسب سونا إلى هجمات المليشيا السابقة على معسكر أبوشوك للنازحين، والتي أودت بحياة عدد من المدنيين بمن فيهم الناشط عصام محمد، مؤسس منظمة أبو حسام للتنمية والسلام. وأدان أيضًا هجومًا انتحاريًا على مبنى مخصص للضيوف بمحلية الطينة، أدى إلى استشهاد 9 مدنيين وإصابة 7 آخرين.
العقيد مصطفى أكد أن المليشيا انتهكت القوانين الدولية بشكل صارخ، وأن صور جرائمها التي تنشرها بنفسها على وسائل التواصل الاجتماعي تثبت تورطها المباشر، داعيًا إلى تصنيفها “كمنظمة إرهابية” وإلزام المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين.
إرهاب ممنهج:
الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (الجبهة الثورية) أكدت أن الجريمة ليست حادثة فردية، بل “امتداد لمسلسل الإرهاب المنظم” الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع في دارفور منذ سنوات.
وأضاف الأستاذ سعد محمد عبدالله المتحدث باسم الحركة في بيان رسمي أن الادعاءات حول فتح لجان تحقيق داخلية ليست سوى محاولات لتجميل صورة المليشيا أمام الرأي العام، وأن التحقيقات المحلية لا يمكن أن تحقق العدالة، داعية المنظمات الحقوقية والدولية لإطلاق حملة دولية شاملة لمحاسبة القتلة.
جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية:
محامو الطوارئ أكدوا أن الضابط المسؤول عن الجريمة، المعروف باسم الفاتح إدريس (أبولولو)، لديه سجل حافل بالانتهاكات المماثلة، ما يجعل ما حدث “جزءًا من سياسة منهجية للقتل خارج القانون”.
ودعوا إلى فتح تحقيق دولي مستقل، ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وتقديمهم للمحاكم الدولية، مع ضمان حماية المدنيين في الفاشر والمناطق المتأثرة. وأضافوا أن استمرار الإفلات من العقاب يمثل خطرًا على المدنيين ويشجع على المزيد من الانتهاكات.
جريمة حرب مكتملة الأركان:
حزب الأمة القومي وصف الجريمة بأنها “جريمة حرب مكتملة الأركان”، مشددًا على أن استمرار الانتهاكات لا يسقط بالتقادم، وأن مرتكبيها يجب أن يقدموا للعدالة فورًا.
كما دعا الحزب المجتمع الدولي لتوثيق الجرائم، وإدانتها بوضوح، ورفع الحصار عن المدن المتضررة، وتسريع وصول المساعدات الإنسانية، مؤكدًا أن استمرار الحرب سيؤدي لمزيد من المجازر والدمار.
تحقيق مستقل:
رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر يوسف الدقير، اعتبر الحادثة “أبشع صور الازدراء بالكرامة الإنسانية”، ودعا إلى تحقيق مستقل لتحديد هوية الجناة ومحاسبتهم، كما حذر من استمرار الحرب التي تزيد من القتل والدمار والمعاناة الإنسانية، داعيًا إلى التوجه نحو الحل السياسي السلمي لضمان السلام المستدام.
امتداد لمسلسل الانتهاكات القائمة على التمييز العنصري:
التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة – صمود اعتبر الجريمة امتدادًا لمسلسل الانتهاكات القائمة على التمييز العنصري والجهوي، داعيًا الشباب وقوى الثورة إلى التضامن مع أسر الضحايا، ورفض خطاب الكراهية، والعمل على بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة دون تمييز.
جرائم موثقة ستقود إلى المحاكمات:
القيادي بالتيار الوطني نورالدين صلاح الدين اعتبر أن المليشيا أخطأت بتوثيق جرائمها عبر الفيديو، لأن هذه الأدلة ستصبح مستقبلاً “سلاسل تقيّدهم في محاكمات جرائم الحرب”. وأكد أن العدالة قد تتأخر لكنها لن تموت، وأن دماء الضحايا ستظل تنادي بالقصاص، وأن هذه الجريمة ستبقى شاهدًا على بشاعة المشروع الذي تمارسه المليشيا ضد المدنيين.