ضل الحراز: علي منصور حسب الله
في مشهد بات يتكرر بطريقة هزلية مأساوية تلجأ قيادة مليشيا الدعم السريع إلى بيع الوهم لأفرادها هذه المرة عبر أكذوبة جديدة قديمة مفادها أن (الفرقة السادسة بالفاشر تكتنز كميات ضخمة من الذهب) وكأن الفاشر تحوّلت إلى منجم مهجور من مناجم كولمبيا لا إلى ساحة حرب ضارية حوّلت المدينة إلى جحيم لا يطاق! ولكن هل تصدق العقول أن ثكنات الجيش تحوي ذهبًا؟ نعم للأسف! فقد أدمنت قيادة المليشيا استخدام الجهل وسيلة لتسويق معاركها العبثية واستغلال حاجة البسطاء وطموحاتهم المشروعة في حياة أفضل فحوّلتهم إلى وقود في آلة حرب قذرة لا تعرف الرحمة في كل متحرك جديد ينطلق من نيالا نحو الفاشر يُطلب من كل فرد أن يقسم على المصحف الشريف ألا يأخذ من (الذهب المزعوم) أكثر من كيلو واحد وأن يترك الباقي لإخوانه (الأشاوس) وكأننا أمام توزيع غنائم من معركة غزاة لا أمام مواجهة عسكرية بين أبناء وطن واحد لكن المأساة الحقيقية ليست في كذبة الذهب بل في استخدام المصحف كأداة دعائية لشرعنة النهب والقتل إنها قداسة ملوثة بالدم ودين يستخدم كقناع لمشروع إبادة اليوم بات أغلب من تبقّى من مقاتلي المليشيا في نيالا يرفضون الذهاب إلى الفاشر لا خوفًا من المعركة فحسب بل إدراكًا لحقيقتها فالكل يعلم أن من ذهب قبلهم إما عاد بنصف جسد أو لم يعد أبدًا المستشفيات والمستوصفات تشهد والقبور تزداد وقهاوي نيالا أصبحت مراكز رواية حكايات الموتى لقد سقطت هيبة الكذبة أمام الحقيقة المرّة لا ذهب هناك بل مقابر جماعية تنتظر السذج سبق أن استخدمت المليشيا نفس الأسلوب في معارك الخرطوم في المدرعات تحديدًا وفي هجمات الفرقة 16 بنيالا حيث رُوّج حينها أن مخازن الفرقة (١٦) تحتوي على (أموال البنوك كلها) وطلب من كل مقاتل أن يحمل (جوال فارغ واحد فقط) ليملأه بالأموال حتى يتسنى لرفيقه أن يملأ جواله هو الآخر كنوع من الايثار وهكذا ذهبوا للحرب على أمل أن يعودوا أغنياء… فعاد من عاد منهم محمولاً على الأكتاف أو فاقدًا لأطرافه أو لم يُعرف له قبر لكن الغريب والمثير للشفقة أن الكذبة رغم افتضاحها لا تزال تجد صدى عند البعض كيف لعقول راشدة أن تصدق أن هناك ذهبًا يُخزّن داخل ثكنة عسكرية؟ أو أن الجيش السوداني بمؤسساته العريقة أصبح حارسًا لكنوز من الذهب والعملات؟ أليس هذا احتقارًا للعقل واستغباءً لا مثيل له؟ الحقيقة التي يعرفها الجميع وربما حتى الذين يصدقون الكذبة أن الفرقة السادسة في الفاشر لا تحتوي على ذهب بل على (أمباز) فقط وربما قليل من الإمدادات التي تحفظ أرواح الجنود أمّا الذين يلهثون خلف وهم (كنوز الفرقة السادسة) فإن مصيرهم معروف إما حفرة في تراب الفاشر أو مستشفى بلا دواء في نيالا أو حياة تيه بعد بتر أطرافهم إلى من تبقى من أفراد الدعم السريع الذين يجلسون تحت أشجار نيالا أو في مقاهيها المتربة هل سألتم أنفسكم كم من رفيق لكم صدّق هذه الأكاذيب وأين هو الآن؟
هل يكفيكم أن يقسم أحدكم على مصحف ثم يُذبح في معركة لا ناقة له فيها ولا ذهب؟ هل تنتظرون حتى يأتي دوركم لتدركوا أن دقلو لا يراكم سوى أدوات؟ قطع شطرنج في لعبة خاسرة؟
التاريخ لا يرحم والذاكرة الوطنية لا تنسى من يقتل أهله باسم الكذب ومن ينهب باسم القسم ومن يقاتل باسم الوهم لن يجد في النهاية لا ذهبًا ولا مجدًا بل العار.
أفيقوا قبل فوات الأوان فالفاشر لم تكن يومًا منجمًا للذهب لكنها اليوم مقبرة لمن صدّق أنها كذلك