ضل الحراز: علي منصور حسب الله
حينما يُباع الشرف القبلي بثمنٍ بخس
ما الذي تبقّى من كرامة الزعامة القبلية في جنوب دارفور حين يتحوّل الناظر رمز المجد والهيبة والحكمة إلى ظلّ باهت لمليشيا لا تُقيم له وزناً ولا ترعوي عن إذلال أهله؟ ما الجدوى من زعامة إذا كانت لا تصون دماء الأبرياء ولا تهتز حين يُختطف الأطباء والصيادلة ويُعذَّب الشباب وتُباد الأسر ويُساق أبناء القبيلة إلى محارق حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟
لقد سقط قناع الرجولة والشهامة عن وجوه بعض من يلبسون عباءة الإدارة الأهلية وهم في الحقيقة خدمٌ مأجورون للدرهم الإماراتي الرخيص يلوكون خطاب القبيلة وهم أول من طعنها في الظهر لقد شوّهوا صورة الناظر وشوّهوا معها تاريخ سلفهم أولئك النظار الذين كانوا أعمدة البلاد ومضرب المثل في الحِلم والشجاعة والنُصرة
فما حدث مع الدكتور الصيدلاني خالد أحد أبناء المسيرية بجنوب دارفور ليس مجرد واقعة اختطاف بل فضيحة أخلاقية وسياسية وإنسانية من العيار الثقيل هذا الشاب النبيل الذي وهب جهده لتوفير الدواء ومحاربة جشع تجار الأزمات لم يكن يحمل سلاحاً في معركة بل كان يحارب المرض والفقر ومع ذلك خُطف على يد مليشيا لا تعرف حرمة مليشيا يفترض أنها تلقى دعماً من الناظر التجاني عبد القادر محمد عثمان وابنه غلام الدين الذي يحاول أن يطل علينا كناظر مكلف بينما دوره الفعلي لا يخرج عن كونه ناقل رسائل بين القبيلة والمليشيا
الصدمة الأكبر أن هذه المليشيا طالبت بفدية قدرها 200 مليون جنيه (مليار بالقديم) لإطلاق سراحه مهددة بتصفيته في حال التأخير ! أي إذلال أبشع من هذا؟ وأي مهانة أفدح؟ ثم يخرج الناظر ليُطمئن الناس بعبارات جوفاء لا تُسمن ولا تُغني من جوع بأن الأمور (تحت السيطرة) وأن الدكتور سيُطلق سراحه دون فدية بينما الحقيقة أن الزعامة باتت رهينة والكرامة تُشترى وتُباع
لم يعد الناظر في دارفور صوتاً للحق بل بوقاً يثرثر بكلمات لا تملك دفء الرجولة ولا عزة القرار كلمات ظاهرها الدعوة إلى وحدة الصف وجوهرها إشعال فتنة عنصرية ومناطقية لا تُبقي ولا تذر وهذا ما رأيناه بأمّ أعيننا لا فقط في قضية الدكتور خالد بل في سلسلة من الانتهاكات المتكررة التي طالت قبائل بأكملها
في عد الفرسان تم اختطاف 20 شاباً من أبناء بني هلبة واقتيدوا إلى سجون المليشيا دون أن يتكرم ناظرهم التوم الهادي عيسى دبكة حتى بإصدار بيان إدانة يتيم بل إن الصمت المريب بات هو العُرف السائد وكأن دماء الشباب ليست من لحم القبيلة ولا عظمها!
أما الناظر محمود موسى مادبو ناظر الرزيقات فقد شهد حفيده يُقتاد من منزله في وضح النهار ولم ينبس ببنت شفة وحين اقتيد الشاب موسى بن الناظر الراحل عبد المنعم الشوين ناظر قبيلة المسيرية الحمر فرع الفلايته في غرب كردفان إلي معتقلات مليشيا الدعم السريع بنيالا ومات الناظر حسرة على فلذة كبده ثم قضى الشاب موسى نحبه في المعتقل تحت التعذيب لم نسمع كلمة عزاء ولا موقف رجولي يُثبت أن الإدارة الأهلية لا تزال حامية للقبيلة
إن التجاني عبد القادر محمد عثمان يتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية مضاعفة ليس فقط لأنه ناظر القبيلة بل لأنه دعم المليشيا وموّل استنفارها وروّج لخطابها والآن حين جاء الاختبار الحقيقي تبيّن أن زعامته لا تستطيع حتى حماية صيدليٍ أعزل لقد أصبح دوره لا يختلف عن عرّاب للذبح يوزّع البيانات ويهتف للمليشيا بينما أبناء قبيلته يُختطفون ويُعذَّبون ويُقتلون كما حدث لعلي اليوت واشقاءه الذين قتلتوا المليشيا غدرا برصاص ذات المليشيا التي يدعمها الناظر التجاني عبد القادر محمد عثمان وابنه غلام الدين
أما الناظر التوم دبكة لا يختلف كثيراً عن نظيره ناظر المسيرية إذ يقف متفرجاً على مأساة أبناء بني هلبة وكأن الأمر لا يعنيه أما الناظر محمود مادبو فهو عنوانٌ لانكسار الزعامة وتحوّلها إلى دمية في يد آلة البطش بين يدي عيال دقلو
الخطير اليوم أن هذه الزعامات القبلية لم تعد تمثل فقط الخضوع بل تسحب معها قبائل بأكملها إلى هاوية الانقسام الداخلي والفوضى المجتمعية انظر إلى ما حدث بين أولاد سرور والمتانين وهم أبناء عمومة من بطون المسيرية الحمر فرع الفلايتة الذين كانوا ذات يوم حلفاء ضد أولاد هيبان وهم من المسيرية الزرق عندما دخلوا في صراع قبلي لكنهم اليوم تحولوا إلى أعداء فيما بينهم بسبب توريط النظار لأبنائهم في أجندة مليشياوية لا علاقة لها بكرامة القبيلة ولا مصالحها
والمثال الأبرز على الوهم الذي تُروّج له هذه الزعامات هو المستشار النذير الذي كان يزعم أنه يمسك بكل الخيوط فإذا به يعجز عن إطلاق سراح ابن عمه المختطف أين الخيوط؟ أين التأثير؟ إنه نفوذ ورقي لا أكثر
قبيلة بني هلبة التي أنجبت رموزاً وقادة والتي كانت جزءاً من مشهد إعلان الاستقلال داخل البرلمان أصبحت اليوم في ما يسمى ب (حكومة التأسيس) التي يحتفل بها البعض مجرد ديكور قبلي في مشهد باهت.. تمومة جرتق كما نقول في دارجيتنا
إنها حكومة تدعي إنقاذ الوطن بينما تنتهك كل ما له علاقة بالوطن تعذّب وتقتل خيرة شباب القبائل بينما نظار القبائل يصمتون أو يبررون أو يهلّلون !
فهل نسينا أن الناظر كان ذات يوم صوت الحق والعدالة والكرامة؟ أين مبدأ (الدواس في الحق) الذي تغنّت به القبائل؟ أين المروءة والنخوة حين يصبح الناظر متحدثاً رسمياً باسم آلة القتل والقهر؟
الصمت الذي يلتزمه هؤلاء ليس من أجل مستقبل قبائلهم بل تواطؤ مباشر مع المعتدي وعليهم أن يدركوا أن قبائلهم بدأت تفقد الثقة فيهم وأن استمرارهم في دعم مليشيا تقتل وتنهب وتُذل لن يجلب إلا العار والانقسام والسقوط.
وإذا كان النظار لا يملكون حتى قول (لا) في وجه أصغر مليشي من آل دقلو فعليهم على الأقل أن يصمتوا وألا يزينوا الباطل بكلمات جوفاء لأن من يَهن يسهل الهوان عليه… وناظر القبيلة الذي لا يحمي أبناءه لا يستحق أن يقودهم