ضل الغيمة: الفاتح بهلول

طالعت كغيري في مواقع التواصل الاجتماعي مقالًا مكتوبًا بأحرف من نور لأستاذ الأجيال الأديب والفيلسوف الصحفي السوداني حسين خوجلي، ممهورًا تحت عنوان ( إشاعة ) وما أكثر الإشاعات يا أستاذي في زماننا هذا، وما أحقرها حينما تستهدف أبًا قولًا فصيح الديمة مواقع زوقنا.

رغم أن الموت طريق دائم الكل سالكه، فإن خبر رحيل من جعل للألوان كلمة، بمثابة جُرح أليم لن تداويه الأيام والسنين، لا سيما وأن كلمة “ألوان” قد كتبت لنفسها الخلود في تأريخ الصحافة السودانية، بيد أن خبر الشؤم لا يتعدى كونه إشاعة ليس إلا، أراد المفترون من خلالها إدخال الذعر والفزع في نفس أسرته ومحبيه، حيث أجاد وصفهم في مقاله الذي كتبه بإيمان راسخ، لو قُسم عليهم لكفاهم، لأنه يطمع من كل قلبه بأن يكون من فقراء الجنة مثلما تمنى، فأي زهد هذا الذي يحمله خوجلي؟

ولعل فن السرد القصصي الذي استخدمه وهو يحكي واقعة الموت الكذوب التي حدثت للشاعر أبو آمنة حامد، قد تأكد بموجبه أن بين أضلع أستاذنا قلبًا يتطلع إلى ما ظل يعمل لأجله، حينما جعل من إيقاع الأيام أرشفةً لتأريخ السودان الثقافي والسياسي.

لم تكن “أيام لها إيقاع” برنامجًا تلفزيونيًا وحسب، بل مثّلت فردوسًا حوى من البيان سحرًا، ومن الأحكام كنزًا، ومن الفن لحنًا، فأضحى دوحة وارفة الظلال لجهابذة الشعر السوداني، أمثال شاعر العشق الشفيف محمد بشير عتيق، ومحمد مفتاح الفيتوري، والطير المهاجر صلاح أحمد إبراهيم، وشاعر الجريف واللوبيا الصادق إلياس، وصاحب فعل السيل وقت يتحدر يكسح ما يفضل شي، أبو قطاطي، وسيف الدسوقي، وما بين الريد والهوى كان أبو آمنة حامد حُلة زاهية الألوان في إيقاع أيام الفن والإبداع، وصلاح حاج سعيد، ومحمد المكي إبراهيم، وشاعر الرومانسية سعادة اللواء عوض أحمد خليفة، وعبد العزيز العميري، والحردلو، والشاعر الكبير محمد يوسف موسى، ومحيي الدين الفاتح، فضلًا عن أصوات غنائية وتراثية أسرت الوجدان السوداني، جميعهم وثّقوا حياتهم الشعرية والفنية في حضرة مشكاة البرامج التوثيقية التي توقدت بالأدب والفن والجمال.

فأي عطاء أكبر من الذي قدّمه حسين خوجلي لهذا الشعب، كي تكون الإشاعة ردّ جميل لرجل أسعدنا بتواشيح النهر الخالد؟

حسين خوجلي، يا سادة، مزيج من المتصوف الدرويش والعبقري الفيلسوف، فإن جاز وصفه بأنه ظاهرة إعلامية سودانية تستحق الوقوف عندها بتأمل، فهو ليس مجرد كاتب أو باحث أو موثّق، بل هو صوت استطاع أن يُحدث توليفة ما بين الوجداني بالسياسي، والتقليدية بالحداثة، والحكيم مع المشاكس.

وعلى الرغم من التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد، يظل حسين خوجلي رقمًا وطنيًا محافظًا على نبرة مميزة وموقف مستقل، ما يجعله حاضرًا بقوة في وجدان أمة السودان، سواء كان على ظاهر الأرض أم باطنها. لأنه أنموذج لصوت يستحق التوقف عنده.

،،،، تحياتي ،،،،،

Exit mobile version
Share via