صدى الواقع: محمد مصطفى الزاكي

 

لكم سمعنا عن مدرسة الحياة، وقد تخرّج منها اديسون ونيوتن وداروين، الخوارزمي وافلاطون وارسطو، والمتنبي في الأدب. ولكم افادتنا دروس المواقف أكثر مما قرأناها من سطور الكتب، ومن جامعة العلوم في الترحال والسفر نستقي العبر.

ولم اجتهد في اكتشاف سر المشاكل والمعاناة التي يعانيها السودان أرض وشعب، لأننا قد اهملنا العبر والدروس من المواقف والأخطاء، وهجرنا البحوث والكتب.

صراحة تجد العالم عندنا مهمل والصفيق نجم يتقدل، يتصور ويأخذ مقابلها جنيهات ودورلار.

الحرب التي دمرت البلاد، وشردت العباد، وشردت السودانيون في الداخل والخارج ، وأركان الوطن تتهاوى تحت وطأة الصراعات والسياسات الخاطئة التي ألقت بهم في غياهب التخلف عن ركب الأمم، وجدنا أنفسنا أمام مفارقة عجيبة؛ فبدلاً من أن تكون هذه المحنة دافعاً للنهوض والاعتبار، تحول الكثيرون إلى الانشغال بسفاسف الأمور، تاركين وراءهم مسؤولية إعادة الإعمار والنهوض بالبلاد.

والله لأمة تهمل العلم والعلماء وتتقوقع في الذات لا يمكن لها أن تنهض وتزدهر، وكم من شعوب تعرضت للإحن والمحن لكنها اعتبرت وقامت بقوة وتفوقت على غيرها.

إن هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه السودانيون، سواء في الداخل تحت وطأة الحرب والدمار، أو في الخارج كلاجئين في بلدان قريبة وبعيدة، لهو دليل صارخ على أن التحديات الكبرى تتطلب وعياً جماعياً وإرادة صلبة للتغيير.

فبينما تتوالى الفصول المأساوية، ويستمر النزيف، يظل السؤال معلقاً: متى يعتبر هذا الشعب من دروس التاريخ القاسية؟ ومتى يدرك أن الانشغال بالصغائر والتفاهات لن يقود إلا إلى مزيد من التدهور والضياع؟ إن النهوض من كبوة الحرب وإعادة بناء ما دمرته الأيام يتطلب تضافر الجهود، ونبذ الخلافات، والعودة إلى العلم والعمل الجاد، فالأمم لا تنهض إلا بسواعد أبنائها المخلصين، وعقول علمائها المستنيرين، وإلا فسيظل السودان يدور في حلقة مفرغة من المعاناة والتخلف، بينما تتقدم الأمم من حوله بخطى ثابتة نحو المستقبل.

يجب أن نجلس مع أنفسنا للإجابة على أصعب سؤال: ماذا علمتنا المواقف والمحن والمعاناة وما فقدانه خلال حرب أبريل التي دمرت الممتلكات وخربت الضمائر وهتك الأعراض؟ لأن المخرج والحلول والآمال تكمن في الإجابة الصحيحة!.

أختم مقالي ببيت تذكرته من بين الكثير من الأشعار التي صرت أهتم بها هذه الأيام، صار يتردد في أذني حتى أجبرني على النهوض من سريري أنصاف اليليالي، وأضيء مصباح الغرفة، وارتشاف كوبين من القهوة الحبشية حتى استفيق!.

قال أحد الشعراء الذي لم يسعفني الحظ من اصطياد اسمه من بين الدواوين:

ما بالنا نٓهِبُ التخاصُمِ والتدابُرِ والحٓسدْ

وعدوِّنا مُتربّصٌ يخْفِي الكمائِنُ والرّٓصدْ

وإذا انتصرتٓ على أخيكٓ فما انتصرتُ على أحٓدْ.

Exit mobile version