ضل الحراز : علي منصور حسب الله
لم تكن زيارة مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم علي مفضل لرموز الإبداع السوداني الفنان الكبير أبو عركي البخيت والدكتور الفنان عبد القادر سالم والممثلة القديرة فائزة عمسيب والقامة الصحفية آمال عباس مجرد زيارة بروتوكولية أو لفتة اجتماعية عادية إنها إشارة عميقة الدلالة ورسالة تتجاوز حدود الظرف والمكان لتؤكد أن الدولة لا تُبنى بالسلاح وحده بل تُبنى بالروح وبالإبداع وبالذاكرة الجمعية التي تصنعها هذه القامات فالفريق مفضل… قائد في الميدان وصوت للدولة في لحظة الانهيار وهو أحد الوجوه التي لم تغب عن لحظة الحقيقة في الحرب لقد كان الرجل ثابتًا في قلب العاصفة
وكان جهاز المخابرات العامة بقيادته واحدًا من الأعمدة التي أسندت الدولة في أصعب ساعاتها حين كانت المدن تهتز والصوت يعلو بالفوضى لم يكن القتال في الميدان مجرد واجب لرجال جهازه كان معركة وجود خاضوها بوعي وإيمان وبشبابٍ هتف لهم الشعب من قلوبهم:
(أمن يا جن … أمن يا جن) حتى صارت الهتافات نشيدًا من أناشيد الصمود الوطني وفي الجبهة الخارجية أحدث الفريق مفضل اختراقات حقيقية في لحظة كانت البلاد فيها تبدو وحيدة تحرك بذكاء وهدوء وقاد جهودًا دبلوماسية وأمنية دقيقة وأمّن مع ضباط الجهاز وضباط الصف تدفق المعلومات وتحليلها في لحظة أصبحت فيها المعلومة نفسها سلاحًا لا يقل عن الرصاصة والموقف لقد بنى الرجل جسرًا بين الدولة التي تقاتل من أجل البقاء
وبين العالم الذي يحتاج أن يسمع روايتها بأصوات قوية وواثقة رغم الحرب… لم ينس صُنّاع الوجدان السوداني
ومع كل تلك المسؤوليات الثقيلة لم ينس الفريق مفضل أن الأمم تُحفظ بالإبداع كما تُحفظ بالسلاح فزيارة القامات الفنية والصحفية لم تكن ترفًا بل كانت اعترافًا بدورهم في تثبيت وجدان الأمة في لحظة ظنت فيها قوى الظلام أنها قادرة على تكسير روح السودان هؤلاء الفنانون والإعلاميون رغم توقف المسارح وانطفاء كاميرات الدراما ورغم اختناق الصحف وغياب المنابر…ظلوا يقاومون بالصوت وبالذاكرة وبالوفاء
كانوا رموزًا للصمود الإنساني حين كانت الحرب تريد أن تقتل الجمال إن تكريمهم هو تكريم لروح الشعب نفسه وهو رسالة تقول (إن صمتت المدافع غدًا فسيعود السودان الذي نعرفه، بسحر هذا الفن ونُبل هذا الإبداع)
هذه الزيارة تحمل معنى الدولة وليست مجرد لفتة إنسانية هذه الزيارة تعيد تعريف معنى الدولة لدى السودانيين
الدولة ليست قوة عسكرية فقط وليست جهاز أمن فقط
الدولة هي أيضًا ذاكرة ووجدان وقامات صنعت صورة السودان في عيون العالم لعقود الفريق مفضل وهو يزور هؤلاء الرموز يؤكد أن الحرب مهما اشتدت فإننا لا نفقد بوصلتنا الأخلاقية ولا ننسى من حملوا شعلة الفن والفكر والوطنية حين كان الظلام يلف البلاد إنها زيارة تقول إن المعركة ليست فقط من أجل الأرض بل من أجل الروحزفليس غريبًا أن يلتفت قائد أمني في قلب المعركة إلى القامات الإبداعية الكبيرة ما هو غريب هو أن نغفل نحن عن دلالات هذا الالتفات
هذه الزيارة ليست مجاملة…إنها تثبيت لمعنى الوطن وطنٌ يحميه المقاتلون
ويصونه الفنانون
ويكتبه الصحفيون
ويقوده من يؤمن بأن السودان دولة للروح قبل أن يكون جغرافيا

