تقرير – عبدالعظيم البُشرى

لم يكن لسكان معسكر أبو شوك للنازحين بالفاشر خيار سوى الفرار من الموت، لكن حتى حين ظنوا أنهم وجدوا ملاذًا، لاحقتهم النيران من جديد. منذ عام 2003، كان المعسكر شاهدًا على معاناة آلاف الأسر التي شُرّدت بفعل الحرب، لكنه اليوم يتحول إلى ساحة جديدة للرعب والموت بعد أن شنت مليشيا الدعم السريع هجماتها الوحشية عليه، بنفس الطريقة التي استهدفت بها مخيم زمزم وشردت أهله، مستهدفة النازحين الذين سبق وأن شردتهم من ديارهم، خاصة بعد تكثيف عملياتها العسكرية على مدينة الفاشر والمستشفيات والأعيان المدنية.

لم يعد المعسكر مجرد ملجأ للنازحين القدامى، بل بات يحتضن موجات جديدة من المشردين الذين فروا من قراهم ومنازلهم بعد اجتياحها المليشيا، خاصة من الفاشر التي شهدت قصفًا ممنهجًا استهدف المستشفيات والأعيان المدنية. هؤلاء النازحون، الذين بالكاد وجدوا مأوى مؤقتًا، وجدوا أنفسهم مجددًا في مرمى النيران، يواجهون الجوع والخوف وانعدام الأمان في ظل غياب تام للحماية والمساعدات الإنسانية.

وسط هذه الأوضاع الكارثية، يتصاعد القلق من أن يتحول المخيم إلى مقبرة جماعية لآلاف الأسر التي تعيش فيه، بعد أن كان يمثل فرصة أخيرة للحياة بعد استهداف مخيم زمزم. في هذا التقرير، نسلط الضوء على حجم الكارثة التي يعيشها سكان معسكر أبوشوك ولمعرفة لماذا تحاول المليشيا دائمًا استهداف النازحين.

هجمات انتقامية:

بدأت مليشيا الدعم السريع هجماتها الانتقامية بقصف مدفعي مكثف استهدف المنازل والمركز الصحي الوحيد، ما خلف عشرات القتلى والجرحى، ومن ثم حاولت التوغل داخل المعسكر ونفذت اغتيالات وسط النازحين، واقتادت أكثر من 20 نازحًا بينهم 8 نساء إلى جهة غير معلومة، وفق ما أفادت به غرفة طوارئ المعسكر لـ”دارفور الآن”.

وأعلنت الأمم المتحدة، ممثلة بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الجمعة، أن الهجمات التي شنتها المليشيا على مدينة الفاشر المحاصرة ومخيم أبو شوك للنازحين أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 89 مدنيًا خلال عشرة أيام حتى 20 أغسطس الجاري.

وفي هذا السياق، قال أبوبكر أحمد، المتحدث الرسمي باسم المقاومة الشعبية بولاية شمال دارفور، إن المليشيا الآن تكرر نفس سيناريو هجومها على زمزم وتريد أن تحول المعسكر إلى رماد كما فعلت في زمزم. وأضاف في تصريح لـ”دارفور الآن” أن المليشيا تريد تهجير معسكر أبو شوك وفرض واقع جديد وتحويل المعسكر إلى ساحة حرب دون الاكتراث للواقع الإنساني الذي يعيشه المواطنون. وأكد أن المليشيا تهاجم المعسكر أكثر من مرة مع تكثيف القصف على النازحين، وهذه جريمة أخرى ترتكبها المليشيا في ظل صمت تام من المجتمع الدولي.

نفس السيناريو:

تحاول المليشيا استهداف المعسكر بنفس السيناريو الذي استهدفت به معسكر زمزم للنازحين، وقبل تنفيذ هجومها أطلقت إشاعات روجت من خلالها أن المعسكر تحول إلى قاعدة عسكرية، وقامت عبر حلفائها بتزويد بيانات لمنظمات تبرأت منها لاحقًا، وبعد أن حرقته وهجرته قامت بتحويله إلى قاعدة عسكرية تنطلق منها العمليات إلى الفاشر ومنصة لإطلاق القذائف.

وبذات السيناريو أطلقت نفس الحملة ضد معسكر أبوشوك للنازحين قبل ثلاثة أيام وأثناء توغلها وتنفيذ عمليات التصفية، أعلنت أنها قامت بالسيطرة على قاعدة نيفاشا العسكرية. ويرى مراقبون أن المليشيا تحاول السيطرة على معسكر أبوشوك وتهجير سكانه، ومن ثم تحويله إلى قاعدة عسكرية مثله مثل زمزم لتنطلق منه العمليات العسكرية وتضيق الحصار على الفرقة السادسة مشاة.

وأكد مجلس الصحوة الثوري السوداني بقيادة الشيخ موسى هلال أن معسكرات النازحين في زمزم وأبوشوك وغيرها خالية من أي وجود عسكري سواء للقوات المسلحة السودانية أو القوات المشتركة والتشكيلات العسكرية المساندة للجيش السوداني.

وقال الناطق الرسمي باسم المجلس الأستاذ أحمد محمد أبكر لـ”دارفور الآن” إن الشعارات والحجج التي تطلقها وتتمشدق بها مليشيا الدعم السريع الإرهابية وأبواقها المأجورة كاذبة ومضللة، والغرض الأساسي منها هو التهجير القسري والقتل والنهب والسلب والحرق والتخريب والتدمير وتنفيذ أجندة خاصة.

واعتبر أن القصف على معسكرات النازحين والمدنيين العزل وقتلهم وتهجيرهم يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ومخالفة واضحة وصريحة للقانون الدولي الإنساني، إذ أن معسكرات النازحين هي مراكز لإيواء الفارين من الحروب والنزاعات، وهم شعب أعزل ينتظر المساعدات الإنسانية للحفاظ على حياتهم. وأضاف أن ما يحدث يمثل تحديًا واضحًا من المليشيا للمؤسسات الدولية والإقليمية المنوط بها حفظ حقوق الإنسان، وأصبح النازحون ضحايا الحروب والصراعات.

واستنكر المجلس بشدة الهجمات العسكرية المتكررة على معسكرات النازحين في زمزم وأبوشوك بولاية شمال دارفور، من القتل والتصفيات الجسدية على أساس عرقي وقبلي من قبل مليشيا الدعم السريع الإرهابية وداعميهم.

استهداف عرقي:

على الرغم من إنكار المليشيا وداعميها استهداف المدنيين، إلا أن الواقع غير ذلك، فهجمات المليشيا بمشاركة المرتزقة الأجانب وبعض حركات دارفور التي تحالفت مع المليشيا تؤكد عكس ما يدعون.

يرى القيادي السابق بالكتلة الديمقراطية الأستاذ محي الدين إبراهيم جمعة أن الهجمات التي ظلت تشنها مليشيا الدعم السريع تستهدف مكونات بعينها في السودان وفي دارفور على وجه الخصوص، أشار في تصريح لـ”دارفور الآن” إلى أن المليشيا تستهدف هذه المكونات تحت ادعاءات كاذبة بأن المواقع التي تقصفها القوات المسلحة تستخدمها كغطاء. وأضاف جمعة أن الادعاءات كاذبة، وأن المليشيا تقتل المدنيين الأبرياء بناءً على الانتماء القبلي، وقد ظهر ذلك جليًا في الفيديوهات المتداولة، خاصة في هجمات معسكري أبوشوك وزمزم.

وشدد على أن هذه الممارسات اللا أخلاقية تكشف نوايا المليشيا في ارتكاب سلسلة من جرائم الإبادة الجماعية، امتدادًا لما حدث في مدينة الجنينة ومرورًا بالمناطق الأخرى، وأن هذه المليشيا تفتقد أدنى قيم الإنسانية، وأن القضاء عليها كليًا واجب وطني.

وقال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، جيريمي لورانس، في مؤتمر صحفي بجنيف الأسبوع الماضي، إن العدد الفعلي قد يكون أعلى بكثير، مشيرًا إلى أن من بين القتلى 16 شخصًا على الأقل أُعدموا بإجراءات موجزة، معظمهم من قبيلة الزغاوة، فيما قُتل آخر بعد أن عرّف نفسه بأنه من قبيلة البرتي.

تغيير ديموغرافي:

يرى الباشمهندس محمد آدم كش، رئيس حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي، أن الهجمات على معسكرات النازحين والقرى بشمال دارفور، بدءًا من معسكر زمزم وأبوشوك ومناطق ريف الفاشر والآن معسكر نيفاشا، هي هجمات ممنهجة بهدف التغيير الديموغرافي. وأضاف أن هؤلاء نفس الأشخاص الذين تم تهجيرهم من قبل الجنجويد إلى أن تطوروا إلى الدعم السريع يسعون الآن إلى التغيير الديموغرافي للسكان الأصليين واستهدافهم على أساس اثني وقبلي.

وأشار في حديثه لـ”دارفور الآن” إلى أن الهجمات تتم سواء عبر الهجوم المباشر أو التجويع ومنع المساعدات الإنسانية، وأن ما يحدث الآن شبيه بما حدث في زمزم، لكن الصمت الدولي مستمر حيال هذه الجرائم. وأكد أن تصنيف الدعم السريع من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن كمليشيا إرهابية خطوة ضرورية لإيقاف الانتهاكات.

صمت دولي:

كل الجرائم المستمرة التي ترتكبها مليشيا الدعم قوبلت بصمت دولي مريب، عدا بعض بيانات الشجب والقلق الخجولة، والتي لم تحرك ساكنًا، رغم المطالبات المتكررة للأمم المتحدة للتدخل وفك حصار مدينة الفاشر وإيقاف استهداف معسكرات النازحين وتصنيف الدعم السريع كمليشيا إرهابية.

وفي السياق ذاته، دعا رئيس الوزراء د. كامل إدريس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وقوية لفك الحصار الجائر الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع على مدينة الفاشر، مؤكدًا أن الوقت حان للانتقال من مرحلة الإدانة بالكلمات إلى الإدانة بالأفعال.

وأوضحت وكالة السودان للأنباء أن إدريس استعرض في اتصال هاتفي علاقات التعاون التاريخية بين السودان والأمم المتحدة، معلنًا استعداده الكامل للتعاون مع المنظمة الدولية من أجل استقرار السودان.

من جانبه، هنأ غوتيريش رئيس الوزراء على تقلده المنصب، وأشاد بجهوده لتحقيق السلام، مثمنًا كذلك دور رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في فتح الممرات الإنسانية الآمنة. وأكد أن المجتمع الدولي بات يدرك أن الأزمة السودانية لم تعد داخلية خالصة طالما أن السلاح يظل يتدفق بدعم خارجي.

على الرغم من النداءات الدولية، بقيت الاستجابة ضعيفة، ويشير المسؤولون المحليون إلى أن الحل يحتاج إلى تحرك شعبي موحد أكثر من الاعتماد على المجتمع الدولي. ويشير مدير إدارة الثقافة والإعلام بحكومة إقليم دارفور عبدالعزيز سليمان أوري إلى أن ما يحدث في الفاشر ومعسكرات النازحين لا يحتاج إلى تدخل الأمم المتحدة بقدر ما يحتاج إلى شعب متحد يقاتل المليشيا ويعيد فتح المدينة، لافتًا إلى أن العالم يشاهد تدمير المخيمات، والمليشيا تعود بعد عشرين عامًا لارتكاب نفس الجرائم في مناطق يفترض أن تكون محمية دوليًا.

Exit mobile version