الفاشر كل يوم:  علي منصور حسب الله

درجت خلال مسيرتي الصحفية على كتابة عمود رأي تحت اسم (ضل الحراز) حيث كنت أجد في ظل تلك الشجرة السودانية رمزًا للتأمل والصبر والمقاومة لكنّ الزمن تغيّر والأوجاع اشتدت وصارت الكلمات لا تحتمل الترف بل تستوجب الصراخ. لذلك ومن اليوم أعلن تغيير اسم هذا العمود إلى الفاشر كل يوم ليكون منبرًا يوميًا للوجع صوتًا لمن لا صوت لهم ومرآة تعكس معاناة مدينة تنزف في صمت

الفاشر كل يوم لأن الأطفال هناك لا يجدون ما يسد رمقهم يتضورون جوعًا ولا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في مدينة تُحاصرها الحرب وتنهشها المليشيات أطفال يموتون لا برصاص المواجهات فقط بل ببطء تحت وطأة الجوع والخوف وغياب أدنى مقومات الحياة كل يوم تُسرق منهم البراءة ويُختطف منهم الأمل

سأكتب كل يوم عن النساء اللواتي يلدن في العراء ويواجهن الموت بلا مستشفى ولا دواء عن الأمهات اللواتي ينتزعن من صدورهنّ أبناءهنّ قتلى أو يرونهم يُقتادون إلى مصائر مجهولة على أيدي من لا يعرفون الرحمة ولا الإنسانية

سأكتب عن العجزة الذين لا يملكون من أمرهم شيئًا، سوى الانتماء لمدينة تُعاقَب على جغرافيتها وإثنيّتها عن الشيوخ الذين يشهدون مدينتهم تُهدم أمام أعينهم فلا يستطيعون إلا الدعاء ولا يسمعهم أحد.

سأكتب عن المدنيين الذين تُقصف بيوتهم بالطائرات المسيّرة وتُمطر أحياؤهم بالقذائف في عدوان لا يفرّق بين حجر وبشر بين مسجد ومدرسة بين امرأة وطفل عن الحصار الجائر الذي لا يقتل بالرصاص فقط بل بالعطش بالمرض بالإذلال وبالتجويع المُمنهج

سأكتب لأن السكوت خيانة ولأن ما يحدث في الفاشر اليوم وصمة عار في جبين العالم وتقاعس دولي مخجل أمام جرائم تُرتكب على مرأى ومسمع الجميع

(الفاشر كل يوم) ليس مجرد عنوان لعمود صحفي بل هو موقف هو التزام أخلاقي وواجب إنساني وانحياز مطلق للحقيقة لا حياد حين يُذبح الأبرياء ولا موضوعية حين تُقصف المستشفيات ولا مهنية تُعلَى فوق صوت الضمير

سأظل أكتب حتى آخر قطرة حبر وآخر نفس لأن الكلمات حين تُستخدم دفاعًا عن المظلومين تصبح سلاحًا أنبل من الرصاص وأقوى من جيوش المرتزقة

لأطفال الفاشر لنسائها لعجَزتها لرجالها لمقاوميها الصامدين رغم الجوع والحصار أقول لستم وحدكم.

ومن هذا المنبر أعدكم أن يكون هذا العمود لسانكم. الفاشر كل يوم… حتى ينكسر الحصار وينهزم الظلم.

Exit mobile version