أم دافوق – دارفور الآن

قُتل خمسة مواطنين على الأقل وأُصيب العشرات بجروح متفاوتة، في هجوم مسلح عنيف شنّته مجموعة “فاغنر” الروسية، مدعومة بعناصر من ميليشيا “السيليكا” القادمة من جمهورية إفريقيا الوسطى، على قرى متاخمة لمدينة أم دافوق الواقعة في أقصى الجنوب الغربي من إقليم دارفور، قرب الحدود السودانية التشادية الآفرو – وسطية.

وبحسب مصادر محلية موثوقة تحدّثت لـ”دارفور الآن”، فقد شمل الهجوم قرى بشمة، الصهيب، وأم طبيلة، وسط ذعر واسع بين السكان، الذين وصفوا الهجوم بأنه “الأعنف” منذ سنوات، ويعيد إلى الأذهان مآسي العنف المسلح المرتبط بالصراعات الإقليمية العابرة للحدود.

تحرك منسق وعتاد متطور

وأكدت المصادر أن المهاجمين كانوا يستقلون دراجات نارية، تقل كل واحدة منها ثلاثة مسلحين، ومزودين بأسلحة رشاشة وعتاد عسكري متطور، ما يعكس وجود تنسيق عالي المستوى ودعم لوجستي منظم الهجوم لم يكن عشوائيًا، بل استهدف بحسب شهود عيان لـ”دارفور الآن” مناطق محددة يسكنها العرب الرحل (البدو)، الذين كانت بعض قراهم في السابق ملاذًا لحركات التمرد في إفريقيا الوسطى.

ويرى مراقبون أن الأمر يتجاوز مجرد اشتباك محلي ليعكس تصفية حسابات قديمة تغذيها مصالح روسية متزايدة في المنطقة من خلال وكلاء مثل ميليشيا السيليكا.

فاغنر: من ميليشيا ظل إلى فاعل إقليمي

تُعرف “فاغنر” بأنها شبكة روسية شبه عسكرية، تأسست كفرقة مرتزقة وامتدت لاحقًا لتصبح لاعبًا اقتصاديًا وأمنيًا واسع النفوذ، خاصة في إفريقيا. وقد ارتبط اسمها بعمليات أمنية وتجارية في ليبيا، جمهورية إفريقيا الوسطى، والسودان وفي إفريقيا الوسطى، تنشط فاغنر في استغلال مناجم الذهب وقطع الأخشاب وبيع الكحول، وتنتشر بكثافة في مدينة بيراو، عاصمة مقاطعة فاكاجا، القريبة من الحدود السودانية. وتفيد تقارير بوجود صلات وثيقة بين “فاغنر” ومليشيا “الدعم السريع” في السودان، خصوصًا في مجال التدريب وتأمين الموارد عبر مناجم الذهب.

ومنذ وفاة قائدها يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة غامض عام 2023، أصبحت المجموعة أكثر ارتباطًا بهياكل الدولة الروسية، وتوسّع نشاطها ليشمل أدوارًا مباشرة في النزاعات المسلحة بالمنطقة.

مأساة اللاجئين والابتزاز المسلح

وفي تطور ذي صلة، كشف مسؤولون أهليون في مخيم “براو” للاجئين السودانيين في إفريقيا الوسطى أن مجموعات مسلحة من قبيلة الكارا منعت لاجئين سودانيين بينهم نساء وأطفال من العودة إلى السودان، واشترطت دفع 50 ألف ريال إفريقي للسماح لهم بالعبور، مهددة بقطع الطريق أمامهم.

وبحسب المصادر، فإن اللاجئين أبلغوا السلطات المحلية، إلا أن الأخيرة لم تتدخل لحمايتهم أو تأمين طريق العودة، ما يكشف عن هشاشة أمنية وتواطؤ محتمل على جانبي الحدود.

فراغ أمني واستغاثات محلية

ويعاني الشريط الحدودي من فراغ أمني واضح، نتيجة انضمام أعداد كبيرة من شباب المناطق المتضررة إلى مليشيا الدعم السريع، ما جعل القرى الحدودية عرضة لهجمات مسلحة. وظهر عدد من شباب المنطقة في مقاطع فيديو متداولة، يناشدون أبناء قبائلهم بـ”الفزع” والدعم، محذرين من أن الغياب الأمني شجّع الميليشيات على التمدد وارتكاب انتهاكات بحق المدنيين.

تمدّد روسي عبر البوابة السودانية

ويأتي هذا التصعيد في وقت تتزايد فيه التحذيرات من تمدّد النفوذ الروسي في السودان وإفريقيا الوسطى، وسط استغلال فاغنر لحالة السيولة الأمنية في عدد من المناطق الحدودية، والعمل عبر وكلاء محليين لا يعترفون بالسيادة الوطنية ولا يخضعون لأي مساءلة.

تحذير وتحرك مطلوب

ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا التدهور الأمني قد يؤدي إلى تدويل الأزمة، ويدعون إلى فتح تحقيق دولي في انتهاكات فاغنر والميليشيات العابرة للحدود ويؤكد المراقبون أن ما يجري في أم دافوق ليس مجرد اضطراب محلي، بل جزء من صراع إقليمي معقّد تتداخل فيه أجندات روسية، صراعات قبلية، وتراخي سيادي خطير على حدود السودان الجنوبية.

Exit mobile version