القدس – لندن – كانبرا – أوتاوا دارفور الآن

في خطوة دبلوماسية تاريخية وغير مسبوقة، أعلنت كل من بريطانيا وأستراليا وكندا اليوم الأحد اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، لتنضم إلى قائمة متزايدة من الدول التي تقر بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وسط رفض وغضب إسرائيلي متصاعد.

ويأتي هذا التحول السياسي الكبير قبل أيام قليلة من انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في وقت تؤكد فيه مصادر دبلوماسية أن البرتغال ستنضم إلى قائمة الدول المعترفة في وقت لاحق اليوم، وفق ما أعلنته وزارة خارجيتها في وقت سابق.

رئيس الوزراء البريطاني: نُبقي على أمل السلام حيًّا 

وفي أول تعليق رسمي، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في كلمة له عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “اعترفنا اليوم بدولة فلسطين لإحياء أمل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين… اليوم ننضم إلى أكثر من 150 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية” وأكد ستارمر أن الاعتراف يأتي في إطار التزام بلاده بـ”حل الدولتين” كخيار واقعي ومستدام، مشيرًا إلى أنه وجّه بفرض عقوبات على شخصيات من حركة حماس، وشدد على ضرورة ألا يكون للحركة أي دور في مستقبل الحكم أو الأمن في الأراضي الفلسطينية، على حد قوله وأضاف ستارمر أن هذه الخطوة تمثل “إقرارًا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره”، وتعبيرًا عن التزام بلاده بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.

نتنياهو يصف الخطوة بأنها “تهديد وجودي”

وفي المقابل، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن غضبه الشديد من هذه الخطوات، معتبرًا أنها تمثل “خطرًا على وجود إسرائيل”، ووصف الاعترافات بأنها “جائزة غير منطقية للإرهاب”، في إشارة إلى حركة حماس وقال نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم حرب في قطاع غزة، إن إسرائيل ستواصل “المعركة الحاسمة للقضاء على حماس وإعادة جميع الأسرى المحتجزين في غزة”، مضيفًا أنه سيخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة قريبًا لـ”عرض الحقيقة بشأن صراع إسرائيل العادل ضد قوى الشر”.

كما دعا إلى “مواجهة الدعاية الكاذبة” في المحافل الدولية، وخصوصًا داخل الأمم المتحدة، على حد تعبيره.

توسع الاعتراف الدولي… دعم أممي غير مسبوق

مع هذه الاعترافات الجديدة، سترتفع عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين إلى 147 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة، مما يضع الفلسطينيين في موقع دولي غير مسبوق من حيث الدعم الدبلوماسي.

وتكتسب الخطوة أهمية رمزية واستراتيجية مضاعفة، لا سيما مع اقتراب دعم 4 من أصل 5 أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي لفكرة الدولة الفلسطينية، إذ تعترف كل من روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا، فيما تظل الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من الخمسة الكبار التي لم تعترف بعد وقد سبق أن اعترفت 9 دول خلال الأشهر الماضية بدولة فلسطين، أبرزها بلجيكا، لوكسمبورغ، مالطا، أندورا، وسان مارينو، مما يعكس تغيراً ملحوظاً في المزاج السياسي الأوروبي والدولي تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

خلفيات الصراع والتوجه الدولي الجديد

تأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي دخلت شهرها الثاني عشر، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 39 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية، وفرض حصار شامل على القطاع، وسط اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وقد دفع التصعيد المستمر والتقارير الأممية المتزايدة حول الكارثة الإنسانية إلى تسريع وتيرة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وسط دعوات إلى ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإعادة إطلاق عملية سلام شاملة برعاية دولية.

ردود فعل فلسطينية وترحيب واسع

في رام الله، رحّبت القيادة الفلسطينية بالقرارات ووصفتها بأنها “نصر دبلوماسي تاريخي”، وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن الاعترافات الجديدة تمثل “خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال”، ودعت الدول التي لم تعترف بعد إلى “الانضمام إلى هذا التيار العالمي الداعم للحق الفلسطيني”

من جهته، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ إن الاعترافات “تؤكد أن الرواية الفلسطينية تنتصر على رواية الاحتلال”، مضيفًا أن “العدالة الدولية بدأت تأخذ مسارها الصحيح”.

تداعيات محتملة على الساحة الدولية

يتوقع مراقبون أن تؤدي هذه الخطوة إلى إعادة تشكيل المعادلات داخل الأمم المتحدة، خصوصًا في ظل وجود دعم متزايد لمحاولة منح فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة، وهو أمر كانت تعرقله الولايات المتحدة في مجلس الأمن سابقًا باستخدام الفيتو كما يمكن أن تدفع هذه التحركات نحو مراجعة السياسات الغربية التقليدية تجاه إسرائيل، خصوصًا إذا استمرت الحرب في غزة، وتصاعدت الضغوط الحقوقية على تل أبيب في المحاكم الدولية.

العالم يعيد التوازن

مع تزايد عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، يدخل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مرحلة جديدة، يبدو فيها أن الميزان الدولي يتحرك لصالح حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، رغم المعارضة الإسرائيلية الشديدة، وهو ما قد يغير جذريًا من شكل التفاعل الدولي مع القضية الفلسطينية في السنوات المقبلة.

Exit mobile version