ضل الحراز :  علي منصور حسب الله

 

في مشهد من أصدق مشاهد الحزن السوداني وقف القائدان الوطنيان الدكتور جبريل إبراهيم محمد وزير المالية وزعيم حركة العدل والمساواة والمارشال مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور وزعيم حركة تحرير السودان يؤبنان شهداء مسجد الدرجة بالفاشر الذين ارتقت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها وهم ركّع وسجود بين يدي الله برصاص المليشيا المتمردة المعروفة بـ(الدعم السريع) في واحدة من أكثر الجرائم وحشية ولا إنسانية في التاريخ السوداني الحديث تحدث الرجلان بلغتهما الأم لغة الوجدان والعِشرة لغة الأحزان لغة لم يعرفها من باع روحه ووطنه في سوق النخاسة السياسية فارتجفت غرف تابعة للمليشيا وابتدرت حملة تشويه ممنهجة فحوّلت كلمات الرثاء والدعاء إلى اتهامات وتلفيقات وبثّت سمومها على الملأ تحت لافتة زائفة بعنوان (الترجمة) والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح أمام كل سوداني حر من ترجم لكم كلمات القائدين؟ هل نضحك على أنفسنا بالقول إنهم من أبناء قبيلة الزغاوة؟! وهل الجنسية أو الانتماء القبلي شفيعٌ للخيانة؟

من خان وطنه واغتصب نساءه وقتل أبناءه ونهب خيراته هل يُعقل أن يُؤتمن على أمانة الترجمة؟ وهل من باع أهله سيصون شرف الكلمة؟ من قاموا بـ(ترجمة) خطاب التأبين هم أنفسهم من اقتحموا قرية دار بيري دون سابق إنذار واعتدوا على مواطنيها العزّل ونهبوا منازلهم وطردوا أهلها وأطلقوا النار على الشيوخ والنساء والأطفال حتى تفرّق الناس في الجبال والوديان ومات كثير منهم جوعًا فهل هؤلاء أمناء على المعنى؟ أم إنهم يسعون عبر (لغة التزوير) لإشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد؟ يعرف السودانيون أن الدكتور جبريل والمارشال مناوي لا يعرفان الغدر والخيانة لا في الحرب ولا في السلام ويشهد لهم التاريخ بأنهم قادة ميدانيون شرفاء واجهوا الأنظمة المتعاقبة وخصومهم بكل وضوح وشجاعة دون أن يُغدروا بأحد ولا أن يطعنوا في الظهر

أما قائد مليشيا الدعم السريع فقد اعتاد على الغدر حتى أصبح طبعًا فيه لا تطبعًا فخان شيخه موسى هلال الذي ربّاه ثم انقلب على عمر البشير الذي رفعه ثم خان البرهان الذي أعطاه الثقة واليوم يدين بالولاء لدولة لا يزيد وزنها عن رمالها الإمارات التي لا وظيفة لها في المنطقة سوى تمويل الخراب وتفتيت الشعوب ونهب ثروات الأمم بدعوى (دعم الاستقرار) ما قاله القائدان في تابين شهداء الفاشر كان كلمات نابعة من القلب خاشعة لله تنزف صدقًا وأسى وكانت موجهة إلى أسر الشهداء وإلى الله أولًا وأخيرًا

لكن المليشيا أرادت أن تحوّل التأبين إلى مؤامرة والرحمة إلى فتنة والدعاء إلى جريمة

هكذا يفكرون لأنهم عاجزون عن مواجهة الحقيقة ولا يملكون إلا الكذب الإعلامي كدرع يتقون به رياح الهزيمة التي تعصف بهم يومًا بعد يوم هل نسيتم أن أبناء هذه الحركات هم من دخلوا أم درمان في 2008م في وضح النهار وكان بإمكانهم أن يحوّلوها إلى فوضى عارمة لكنهم لم يمسّوا مدنيًا بسوء ولم ينهبوا متجرًا ولم يغتصبوا امرأة؟

لقد عرفهم السودان آنذاك وفرق بينهم وبين من دخلوا نيالا ومدني بعد سنوات فنهبوا واعتدوا واغتصبوا وأحرقوا ودمروا فرقٌ شاسع بين من يقاتل من أجل الكرامة ومن يقتل من أجل النهب

فرقٌ بين من يحمل بندقيته لمواجهة الظلم ومن يحمل سلاحه لينشر الظلم الحركات المسلحة السودانية رغم المآسي وطول الطريق لم تفقد أخلاق الميدان

تعاملت مع الأسرى بإنسانية أسعفت الجرحى حتى لو كانوا من الطرف الآخر لم تعذب لم تشهر لم تبتز لم تقل للأسير (باع أو ميّع) .. لأن مشروعها نهضوي وطني لا انتقامي إقصائي وفي المقابل ماذا قدمت مليشيا الدعم السريع في أكتوبر 2024؟

أحرقت 65 قرية شمال غرب كتم سكانها جلّهم من أبناء الزغاوة ارتكبت إبادة جماعية في دار الزغاوة وفي دار بيري وحدها حُرقت عشرات القرى وقُتل الأطفال في أحضان أمهاتهم

فهل هذا جيش وطني؟!

هل هذه (قيادة) ؟!

وهل من ارتكب كل هذا يمكن الوثوق بترجمته أو حتى الاستماع إليه دون تقزز؟ الذين يروّجون لهذه الأكاذيب يعلمون أن الهزيمة تلاحقهم في الميدان وفي الرأي العام فلا يقاتل معهم إلا من طمست بصيرته ولا يناصرهم إلا من اشتروا ذمّته

لم يبقَ لهم سوى الإعلام المسموم والتزوير الممنهج وقصص (الترجمة) المصطنعة ليصنعوا بها بطولة وهمية أو يخلقوا بها شرخًا في جدار الوحدة الوطنية لكن نقول لهم (كذبكم لن يفرقنا

ولن يفتّ في عضدنا) ولن يزرع الفتنة بين أبناء السودان نحن نعرف من القاتل ومن الضحية من الخائن ومن الشريف من دعا للشهداء بالرحمة ومن دسّ الرصاص في صدورهم وهم ركع وسجود نتحدّى كبار مليشيا الدعم السريع سليمان صندل والطاهر حجر وهم الادري باللغة التي ترجمتمونها على هواكم بل كل من يزعم أن في كلمات القائدين ما يدل على مؤامرة أن يخرجوا للرأي العام ويذكروا ما هي هذه الكلمات

لان المؤامرات هي تخصصكم فقد اجتمعتم عام ٢٠١٤م واتفقتم على جلب عرب الشتات ليسكنوا ديار الغير وقد ساعدتكم حكومة البشير التي غدرتم بها في تطبيق أولى خطوات مخططكم حينما غيرتم دوقي إلى أم القرى وصليا وشيدني إلى أم ضواً بان

السؤال هل أصبح الدعاء على الظالمين تهمة؟

هل أصبح التأبين مؤامرة؟ أم أنكم تخشون أن يرى الشعب السوداني أن القادة الذين تتهمونهم بالكذب هم من بكوا على الشهداء بينما أنتم من صنعتم المجازر؟ قد تنجحون بالكذب يومًا ولكنكم لن تبنوا به وطنًا

وقد تروّجون للإشاعة ساعة ولكن الحقيقة أطول عمرًا منكم ومن مليشياتكم

فالسودان اليوم يصحو ويلفظكم ويكشف زيفكم (وإن النصر آتٍ…) لا بالكذب والافتراء

بل بصبر الشرفاء… وثبات المخلصين… ووحدة السودانيين

Exit mobile version