ضل الحراز:  علي منصور حسب الله

 

درج البعض في جهلهم أو تجنّيهم على وصفي بـ(الفَلَقْناوي) على صفحتي في (فيسبوك) ظنًّا منهم أنهم يسيئون إليّ أو ينتقصون من قيمي وانتمائي وما علموا أنني حين يُقال عني (فَلَقْناي) فإنما يُتوَّج بذلك نعتي بطلًا لا خادمًا وابنًا للأرض لا ذيلًا في بلاط سلطان نعم بحسب ثقافة دعاة الكراهية والعنصرية تُعدّ (الفَلَقْنة) صفةً ذميمة يُقصد بها من يحمل الأباريق أو يخدم في مواضع التبعية

لكنني لست (فَلَقْناويًا) كما يتخيلون بل فَلَنقنايٌّ أصيل لا أخجل من ترابي ولن أرفض تبعيتي للأرض ورائحتها ولا أتنكر للمدن التي شكّلت روحي وعلّمتني كيف أكون رجلًا لا يبيع وطنه ولا يخون أهله ولا ينكسر

أنا من بابنوسة المدينة الصامدة وُلِدتُ بالقرب من رئاسة الفرقة (٢٢) مقر الهجانة حين كانت حامية صغيرة لكنها كبيرة برجالها بابنوسة ليست فقط مدينتي بل هي مدرستي الأولى في الرجولة والانتماء هناك حيث الملاعب والمساجد والأسواق الشعبية ينشأ الرجال كما تنشأ الأشجار في الحقول الخصيبة صلبة باسقة ضاربة في الأرض صلّيتُ في مسجد السكة حديد خلف مولانا أحمد حميدة وتلقّيت العلاج عند الباشممرّض شُميلة وشجّعت فريق الوحدة ونجومه من أمثال عيال سمبو ومسلم استيك وهتف قلبي لـ الهلال في زمن العمدة والإمبراطور وعز الدين آدم حولي وتابعتُ الأهلي بقيادة مبارك بوكش ومحمد مسلم والشبيبة في زمن الفانتوم وعبد الصادق وارتديتُ شعار نادي السلام لبستُ البنطال من خياطة ماريو مسكين وجيمس طمبره واكتملت زينة هندامي بـ(عصا البابنوس) من صنع شباب بابنوسة القميرة حضرتُ حفلاً غنّت فيه إلهام عزمي ووالدها عزمي عبد القادر وشاهدتُ المسرحي عجب بابنوسة يؤدي مسرحية (قطر المجانين)

جلست في مقاعد الشعبي في سينما كرمتي ووثّقت لحظات عمري في استوديو مكي

درست في مدارس (أ) و(ب) والخدمات والشرقية ونهلت من معين الأستاذ إبراهيم الرهيد ديدران وركضت خلف العم جمعة أحمد سعد الشهير بـ(كابيرا)

بابنوسة ليست فقط منشئي بل تشبهني وأشبهها من أهلها استلهمت معاني الوفاء والكرامة والبسالة ومن روح شباب القميرة صرت فقناي للوطن لأن حامل رايتها القائد حسن درموت منه عرفتُ كيف تُصان الأوطان نشأنا ونحن ننهل من رموز في قامة عبد اللطيف عبد الرحمن وبشير حمد وحميدة أبو عشر وعبد الرحمن هارون وإبراهيم سفنجة وعمر جلود وود الرهد وآدم مناوي وموسى بترول ومحمد عثمان أبو زوته

تربّينا بحليب البقارة وجبنة الشوقارة وسمن الدعاش من إنتاج مصنع ألبان بابنوسة

تنفّسنا من هوائها وشربنا من مائها فكيف لا نفهم نبضها؟ عشنا في زمن (بتس عيون الكومر) وجمال (جني) أنا فَلَنْقاي من الفاشر العريقة… مدينة الصمود والنخوة

شجعت (المهم) في الهلال وأدهشني (أفندي) و(الجيلي) في المريخ

دخلت متحف السلطان علي دينار وقرأت في المجمع الثقافي وللفاشر في قلبي مقام لا يُدانى

هناك حيث التقيت في كثبانها الرملية وعبر دروبها بـ خليل شقّة (حبيبو) وعز الدين وهم وصديق ونكا تأدبت أمام الكبار أمثال أبوه حمد حسب الله وحسن علي زين العابدين ومولانا محمد أحمد النور المدير الأسبق للإدارة العامة للعقيدة والدعوة والأمير عبد الرحمن التجاني علي دينار رئيس اتحاد العمال الأسبق ورئيس هيئة شورى قبيلة الزغاوة عبد الله بشير والملك سيف الدين وآدم طاهر والأستاذ عبد الرحمن عامر وتعلمت الكثير من إبراهيم أبكر سعد

ودرسني خميس أركو مناوي التحقتُ بمدارسها من بينها الأهلية المتوسطة وتشبعت بروحها التي لا تنكسر

وتزوجتُ من ميارمها الدكتورة مدينة أم أبنائي (تودد ومحمد وتهجد ومنصور) الفاشر ليست فقط مدينة بل ستالينغراد هذا العصر

وقفت في وجه العواصف وصمدت أمام المحن وتبقى عصيّة على الكسر.

أن تكون (فَلَنقناي) يعني أن تكون من هناك… من حيث لا يُباع التاريخ ولا تُكسر الهامات ومن نيالا تلك المدينة التي تخبئ في ترابها بطولات لا تُنسى عرفت أن الأرض قد تُغتصب لحين لكنها لا تموت هناك خاض القائد حسين جودات معاركه التاريخية حين دافع عن الأرض والكرامة حتى نفدت ذخيرة قواته قبل أن ينسحب منها وفي نيته العودة إليها مرفوع الرأس نيالا البحير ليست فقط موطنًا بل ذاكرة حيّة للشجاعة ومجدٌ لا يشيخ فليسمّوني ما شاءوا فـ (فَلَنقنايتي) شرفٌ لا أُداريه بل أرفعه رايةً ترفرف على قمم الكبرياء أنا فَلَقناي لكن ليس كما يظنّون في داخلي حب الوطن وشجاعة الشجعان وقيم تلك المدن التي خرجتُ منها بابنوسة والفاشر ونيالا والضعين أنا فَلَقناي لن أظل مشردًا ولن أُقيَّد إلى الأبد

حتماً سأعود إلى ملاعب طفولتي إلى ترابٍ حملني صغيرًا إلى رائحة الخُطى الأولى إلى أهل الوفاء إلى الذين ينفثون سمومهم عبر الشتائم المبطّنة بالعنصرية نقول

أنتم لا تملكون الحق في توزيع الانتماء كما تُوزع الرتب لدي مليشياتكم

من منحكم رخصة الحديث عن الأصل والفصل؟! نحن أبناء الأرض… من صلبها خرجنا ولها نعود إن كنتم تظنّون أن النَّيل منّا يُقلل من شأننا فقد أخطأتم الوجهة أنتم تُعرّون أنفسكم وتُخرجون أسوأ ما فيكم بينما نحن نزداد رفعةً وشرفًا بصمودنا وتاريخنا وأهلنا والفَلَقْناوي الحق ليس من يحمل الأباريق في البلاط بل من يحمل الوطن في القلب ويحمل أهله في الروح إن كنّا (فَلَاقنة) كما تزعمون فنحن فَلَاقنة النبل والمروءة والشهامة والكرم ونعم من عمل في خدمة الناس حتى في أبسط الوظائف له منّا التقدير والاحترام

أن تكون خادمًا شريفًا خيرٌ من أن تكون سيّدًا بلا ضمير وعميلا للإمارات أنا فَلَنْقاي في اللسان والوجدان

أنا ابن بابنوسة وتلميذ الفاشر ومقاتل نيالا

في قلبي كل تراب هذه البلاد لن أُطأطئ رأسي. سأعود… وسأعود

الختام: فلنقاي وسأعود وسأعود قريباً مرفوع الرأس وإلى من تطاول وضل الحراز لن يكون ضل للإمارات ولا مساحة يستريح فيها لمرتزق قادم من وراء البحار والمحيطات لكنه ضل… لا ينكسر

Exit mobile version