في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وما يرافقه من قصف عشوائي ونقص حاد في الغذاء والدواء، تزداد الأسئلة حول خطط الحكومة لفك الحصار. و في هذا الحوار، يكشف وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة السودانية، الدكتور جبريل إبراهيم، في حديث خاص لـ”دارفور الآن”، عن حقيقة الأوضاع داخل الفاشر، وأدوار القوات المشتركة، ورؤيتهم لمستقبل السودان، إلى جانب رسائل تطمين للمواطنين حول ما يُثار بشأن نوايا الحركات المسلحة، وخطر تشكيل حكومة موازية في نيالا، وغيرها من الملفات الساخنة.

 

فإلى مضابط الحوار:

حاوره — علي منصور حسب الله 

مرحبًا بك السيد الوزير، ما هي الأوضاع بمدينة الفاشر في ظل حصار مليشيا الدعم السريع؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وشكرًا على إتاحة الفرصة للإطلالة عبر هذه الصحف ابتداءً، الوضع في الفاشر حرج جدًا، والمدينة تعيش حالة صعبة، أقرب إلى “مدينة أشباح”، بسبب الحصار المحكم الذي يمنع دخول الطعام والدواء والشراب. هناك شُح حقيقي في الغذاء، وفي شعور كأن الدواء منعدم تمامًا. وفوق ذلك، يعيش المواطن تحت قصف عشوائي يومي، يتعمد قتل الأبرياء من المدنيين: نساء وأطفال وشيوخ. والوضع ليس من أحسن الأحوال، ولكن هناك صمود من قبل القوات المقاومة، سواء كانت القوات المسلحة، أو القوات المشتركة، أو المسميات المتعددة مثل قوات المقاومة الشعبية وغيرها.

 

لن ننتظر تحرك المجتمع الدولي، وسنقاتل هذه المليشيا، و “الحل في البل”

الرجال والنساء شاركوا في هذه الحرب جنبًا إلى جنب، فهناك وحدة وجدانية مباشرة، وعزيمة قوية جدًا للدفاع عن المدينة، والحيلولة دون سقوطها. والحمد لله، خاضوا أكثر من 221 معركة، واستطاعوا رد العدوان حتى يوم أمس. ونحن متفائلون جدًا بأن المدينة ستكون صامدة بإذن الله سبحانه وتعالى، وأن القوات المتحركة ستصل إلى المدينة بحول الله وقوته.

مع هذا الحصار الذي ذكرته، هل هناك دور ممكن أن تلعبه الحكومة؟ وهل هناك دور خاص بالحركات المسلحة؟

لا يوجد أي دور لأي حركة غير أنها تقاتل إلى أن تصل. والحركات موجودة داخل الفاشر، صامدة وتقاتل. حركة العدل والمساواة وغيرها من الحركات، سواء كانت ضمن القوات المشتركة أو حتى خارجها، موجودة وتقاتل. بالعكس، هي التي تقاتل في الصفوف الأمامية مع القوات المسلحة ومع بقية القوات، وهذا هو الدور الذي نقوم به في الفاشر.

ماذا عن القوات المتحركة نحو الفاشر لفك الحصار؟

أكيد الطريق ليس مفروشًا بالورود. تحتاج تقاتل من أجل الوصول إلى الفاشر. وكلما قواتنا تتحرك، تقوم المليشيا بتحشيد قوات إضافية، فنواجه معارك طاحنة جدًا. وفي بعض الأحيان، بعد المعركة نحتاج إلى استيعاب قوات جديدة، وصيانة العربات، وهذا ياخد وقت، لكن نحن عازمون إن شاء الله، في القوات المشتركة والقوات المسلحة، على الوصول إلى الفاشر وفك الحصار عنها.

 

عازمون على الوصول إلى مدينة الفاشر وفك الحصار، ونؤكد أن المدينة ستظل صامدة

ما هي رسالتك لسكان الفاشر الصامدين؟

نقول لأهلنا في الفاشر إننا نعيش معاناتهم بصورة يومية، وعلى اتصال مباشر بالموجودين على الأرض، ونعرف حجم المعاناة الموجودة. ونحن حامدين وشاكرين لهم على الصمود، وعلى الصبر اللامتناهي، وعلى البسالة التي يواجهون بها عدواً يملك إمكانات ضخمة مقارنةً بإمكاناتنا الشحيحة. ومع ذلك، الحمد لله، شعبنا منتصر. نحن نقول لهم: “نحن ساعين للوصول إليكم، وكل الجهد مبذول ومركّز في هذا الاتجاه”. بجانب ذلك، نحن نضغط على الأمم المتحدة من أجل إيصال الإغاثة للهم. المنظمات الدولية، رغم الكلام الحلو، لكن في الحقيقة لم نجد عندهم جدية في إيصال الطعام للفاشر. الإغاثة تصل إلى طويلة، ولأن التمرد موجود في الطريق، يمكن أن تأتي من الجنينة حتى نيالا، وتصل للناس المحتاجين، لكن توصل الفاشر؟ لا.

برأيك لماذا تستمر المليشيا في تحدي قرارات مجلس الأمن؟

رغم وجود القرار، مجلس الأمن لم يهتم بتنفيذه، ولا توجد جهة اهتمت. سكان الفاشر يموتون أو لا، كأن الأمر لا يعنيهم، و”الجمرة بتحرق الواطيها”، ونحن أهل الفاشر، ونحن المتضررون، والشعب السوداني كله متضرر ومتضامن مع الفاشر. ونحن نتوقع أن الدولة أيضًا تجتهد في أنها تتحرك تجاه الفاشر، وإن شاء الله الناس ترى وسكان الفاشر ليس لهم خيار غير الصبر، ونحن ليس لدينا خيار غير التحرك بسرعة من اجل الوصول، ومليشيا الدعم السريع تتصرف بثقة زائفة لأنها تشعر بأنها محمية من المجتمع الدولي، وتراهن على صمته. ونحن “لن ننتظر تحرك العالم، وسنواجه المليشيا ميدانيًا، والحل في البلّ”.

 

لا أعتقد أن دولة راشدة يمكن أن تعترف بحكومة المليشيا، وقد تحدثنا مع عدة أطراف دولية أبدت رفضها لهذا الاتجاه

هناك تخوف أن قوات الحركات تعيد تجربة الدعم السريع. هنالك حديث كثير، لكن نحب نرسل رسالة تطمين للمواطن السوداني، ونوضح الرؤية الواضحة؟

الآن هنالك اشخاص يسألوننا: كيف تطمئنوا بأن الجيش السوداني لم ينقلب عليكم بعد الحرب، مثل ما هنالك اشخاص يقولون بأن الحركات المسلحة يمكن تتحول لدعم سريع جديد! أيضا هنالك شكوك عند أطراف أخرى بأن الحكومة يمكن ان تنقلب على الحركات المسلحة في أي لحظة، وهذا الحديث ليس له أي أساس. نحن جئنا للسلام عن قناعة، وبضوابط. ولو تم تنفيذ اتفاق السلام حسب ما تم الاتفاق عليه، لن يكون لأي شخص سبب لحمل السلاح، ولا يمكن أن تحصل على السلام بالقوة أو بالحفاظ على العنف.

و الدعم السريع كان قوة مربوطة بجهات خارجية، و الدولة أيضًا وقفت معه حتى تمكن و وصل لمرحلة التمرد على الدولة. الدعم السريع كان موجودًا بالقانون، وكان له بند في وزارة المالية ندفع له مرتبات، مثل ما ندفع للجيش. لكن الحركات المسلحة ليس لديها هذا الوضع القانوني. وليس من السهل أن تطعّم جيش أو توفّر له مركبات ومدخلات تحفظه بها، و لا توجد اي جهة داخل الحركات المسلحة – في تقديري – تفكر في إنها تستمر بالحفاظ على جيوش، ناهيك عن إنها تتحول لميليشيا جديدة تهدد أمن واستقرار البلد.

 

أوجّه رسالة إلى سكان الفاشر: نسعى بكل ما أوتينا من جهد للوصول إليكم، وكل الطاقات مبذولة لتحقيق هذا الهدف

الأمر الآخر، الناس لازم يعرفوا ان الحركات المسلحة ليست مثل الدعم السريع. الحركات لديها مطالب واضحة ومشروعة نيابة عن الشعب السوداني. متى ما أُتيح تحقيق هذه المطالب بالحوار، ولا يوجد أي سبب سبب لحمل السلاح مرة أخرى. نحن جرّبنا السلاح، ونعلم عواقبه، لذلك اخترنا طريق السلام، وبدون رجعة بإذن الله. و نحن ننفذ اتفاق السلام، واتفاق السلام يفرض على الأطراف الموقعة إنهم يدمجوا القوات في القوات النظامية الأخرى، ويتم نزع السلاح والتسريح والدمج. ولا يوجد سبب بأن يحتفظ أي شخص بقوات بعد نهاية الفترة القتالية. نحن متفائلين إننا نستطيع إنجاز خطوات كبيرة في دمج القوات خلال هذه الفترة، وفعلاً بدأنا التحرك، و كل الناس رأت خطوات ملموسة، والآن المسافة بين الجيش وقوات أطراف السلام أقرب بكثير، ويقاتلون في خندق واحد في جميع جبهات القتال.

هنالك حديث بأن الحركات هي حركات قبلية وعنصرية، ماذا ردكم؟

الذين لا يطلعون على أدبيات الحركات يطلقون التهم جزافًا، لأنهم لا يعرفون هذه الحركات. نحن حركة قومية، ولم نبدأ مشوارنا من دارفور كما يظن البعض. الحركة حاولت إحداث تغيير في الخرطوم، أول عمل عسكري لها لم يكن في دارفور، بل في كردفان. وكل الناس يعرفون هذه الحقائق.

أُجبرنا لاحقًا على أن نعمل في أقصى الغرب، لكن في الأصل كنا حركة هدفها إحداث تغيير جذري في بنية الحكم في البلد، بحيث يعيش الناس في أمن وعدالة، ويتقاسموا الحقوق بالتساوي، دون أن تُبنى الحقوق على أساس قبلي أو جهوي أو عنصري، بل على أساس المواطنة فقط.

نحن نؤمن أن كل المواطنين سواسية، وبعد ذلك يمكن أن نشترك جميعًا — كأهل السودان — في نهضة هذا البلد.نحن نرى أن السودان من أغنى بلدان العالم، وخيراته تكفي كل أهله وتزيد، ولو تفرغنا للبناء، فإن كل سوداني سيجد نفسه في هذا البلد، وسيقدر يساهم أيضًا في حل مشاكل الآخرين.

ما هو مشروع الحركات المسلحة؟

مشروعنا هو مشروع قومي، يهدف إلى تحقيق العدالة في الحكم، وتمكين الناس من حكم أنفسهم عبر نظام فدرالي عادل، وتوزيع الثروات بصورة منصفة. ما عندنا على الإطلاق أي نزعة عرقية أو قبلية أو جهوية.

هنالك حديث عن تشكيل حكومة موازية بعد فشل السيطرة على الفاشر.. هل تتوقع أن تقوم حكومة في نيالا؟

أنا أعتقد أنه من الصعب جدًا تتكوّن حكومة في نيالا. نيالا ليست مدينة آمنة — وأنتم تعلمون — ويد الحكومة السودانية يمكن أن تطالها بسهولة. لا أعتقد أن هناك من هو مجنون بما يكفي ليحاول إقامة حكومة هناك ويتخيل أنه سيكون محميًا. والمناطق التي تسيطر عليها حتى الآن، لم تقدم أي خدمة للمواطنين، ولم تنجح في توفير أي شكل من أشكال الحكم المقبول لهذه المناطق. فما معنى إعلان حكومة لا تملك أي قيمة؟ ستكون حكومة “في الهواء الطلق”، ولكن عمليًا على الأرض لن تكون هنالك حكومة موازية.

هل هناك أي دولة يمكن أن تعترف بهذه الحكومة أو تتعامل معها؟

أنا لا أعتقد أن هناك دولة راشدة يمكن أن تعترف بهذه الحكومة. تحدثنا مع أطراف في العالم، وكلهم ضد قيام مثل هذه الحكومة، من الولايات المتحدة إلى الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. لا توجد أي دولة دعمت هذا الاتجاه.

و إذا تم تكوين هذه الحكومة، ما هي التداعيات المحتملة؟ هل تهدد وحدة السودان؟

لن تؤثر “حكومة في الهواء” على وحدة جمهورية السودان. الشعب السوداني الآن موحد وجدانيًا أكثر من أي وقت مضى. يعرف قضيته، ويدرك أن هذا مشروع أجنبي، يستهدف إمكانات السودان، وموارد السودان، وشعب السودان، ودين السودان، وقيم البلد. والمشروع بالنسبة للشعب السوداني أصبح واضحًا، ولذلك لن ينحاز له.

نحن حركة قومية، ولم نبدأ مشوارنا من دارفور كما يظن البعض

هل هناك مخاوف من انفصال دارفور؟

أنا لا أرى أي مبرر لهذه المخاوف. فكرة انفصال دارفور ليست واردة على الإطلاق. السودان — جغرافيًا وسياسيًا — واحد، سواء في دارفور أو في غيرها. حتى الحركات المسلحة التي انطلقت من دارفور لم تدعُ يومًا للانفصال.

Exit mobile version
Share via