ضل الحراز: علي منصور حسب الله
في لحظة دقيقة ومفصلية من تاريخ السودان أصدر رئيس مجلس السيادة قرارًا بإعفاء النائب العام مولانا الفاتح محمد عيسى طيفور وعدد من مساعديه من بينهم مولانا ياسر بشير البخاري ومولانا عامر محمد إبراهيم ماجد ومولانا أحمد علي المتكسي وكذلك مولانا ياسر أحمد محمد. هذا القرار وإن جاء في سياق إعادة هيكلة النيابة العامة يثير تساؤلات ملحة حول مسار العدالة في البلاد لا سيما في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها الدولة السودانية وعلى رأسها ملف الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات في دارفور وسائر أقاليم السودان.
السودان اليوم لا يحتمل التجريب ولا المجاملة في المواقع الحساسة وعلى رأسها موقع النائب العام فهذه المؤسسة يجب أن تكون الضامن الأول لسيادة حكم القانون ومحاسبة المجرمين خاصة في ظل الجرائم البشعة التي ارتكبتها المليشيات بحق المدنيين والتي وثّقتها منظمات دولية وإقليمية وتنتظر عدالة ناجزة لهذا لا بد أن يتولى هذا المنصب الحساس رجل قانون ذو كفاءة مشهودة خبر دهاليز العمل النيابي والجنائي وعركته ميادين العدالة في أقسى ظروفها من بين الأسماء التي شملها قرار الإعفاء يبرز اسم مولانا ياسر أحمد محمد كمثال حي للخبرة والنزاهة والكفاءة فقد ظل الرجل يتابع عن كثب ملف جرائم دارفور ليس من موقع المراقب بل من قلب الحدث حيث عمل في الإقليم وعرف تفاصيل الواقع الميداني هناك كما أدار لجنة الانتهاكات بكفاءة عالية واحترافية يشهد بها زملاؤه ووكلاء النيابة في وقت كانت فيه هذه الملفات تتطلب شجاعة قانونية ومبدئية لا تتوفر لدى الكثيرين ليس هذا فحسب بل امتاز مولانا ياسر أحمد محمد بقدرته على الربط بين المسار القانوني والإداري مما جعله فاعلًا في ضبط الأداء داخل النيابة العامة كما عُرف بكونه قريبًا من القواعد المهنية لوكلاء النيابة متفهمًا لطبيعة عملهم وضغوطهم داعمًا لاستقلاليتهم وهو ما يُعد عنصرًا جوهريًا في بناء مؤسسة عدلية مستقلة إنّ المرحلة التي يمر بها السودان تتطلب من القيادة السياسية أن تضع في اعتبارها أن العدالة لا يمكن أن تُدار بالأوامر أو تُخضع للموازنات بل تحتاج إلى رجال ونساء يؤمنون بها عاشوها ممارسة لا شعارات ومولانا ياسر أحمد محمد من القلائل الذين أثبتوا أن بإمكان القانون أن يكون حصن الضعفاء متى ما وُجد من يتمسك بروحه لا بحرفه فقط استدعاء التجربة لا يعني العودة إلى الماضي بل البناء على الخبرة قد يرى البعض في ترشيح اسم شملته قرارات الإعفاء نوعًا من التناقض لكن الحقيقة أن ما نحتاجه اليوم ليس التغيير من أجل التغيير بل تغيير يُبنى على تقييم موضوعي للأداء لا على الاعتبارات السياسية أو الضغوط العابرة وإذا كانت هناك ملاحظات على بعض الإدارات السابقة فإننا نؤكد أن مولانا ياسر لم يكن جزءًا من الجمود بل كان صوتًا فاعلًا في ملفات الانتهاكات التي تجاهلها كثيرون إن إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة خاصة العدلية منها يبدأ باختيار الأشخاص المناسبين في المواقع الحساسة. ومن هذا المنطلق فإن ترشيح مولانا ياسر أحمد محمد لتولي منصب النائب العام لا يأتي من باب المجاملة بل من باب الضرورة الوطنية التي تقتضي أن يكون رأس النيابة العامة رجلًا شجاعًا متمكنًا مستقلاً عارفًا بملفات الجرائم والانتهاكات متابعًا لها عن قرب ومحسوبًا على القانون لا على التيارات فليكن هذا المنصب بداية لمسار عدلي جديد قوامه الكفاءة لا التوازنات والمهنية لا الولاءات والعدالة لا المساومات