كتب: محيي الدين إبراهيم جمعة 

 

تلقيت بأسف شديد نبأ رحيل الأستاذة فاطمة محمد الفضل رجال. نسال الله ان يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته ويلهمنا جميعنا الصبر والسلوان. في ظل الحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع على المواطنيين في السودان وفي إقليم دارفور على وجه الخصوص.

تنتمي فاطمة لجيل المعلمات السودانيات الرائدات في مجال التربية والتعليم الوطني وهي خريجة جامعة الأحفاد كلية التنمية الريفية المستدامة، مدرسة بابكر بدري رائد تعليم البنات في السودان كما درست التربية في جامعة الخرطوم. وعندما تخرجت فاطمة امتلكت رؤية ثاقبة لتعليم الأطفال والنساء المهمشات في الريف السوداني لا سيما في دارفور ، حيث تقل نسبة التعليم بصورة كبيرة مقارنة مع بقية الأقاليم وسط النساء. وكانت رؤيتها ان تختار مهنة التدريس لتنشي جيل وطني جديد يؤسس لواقع افضل للاسر في دارفور.

ولقد كان هذا الخيار ليس اقل من المسار الوطني الذي اختارته المناضلة فاطمة احمد ابراهيم وغيرها من النساء السودانيات اللائي دخلن المجال العام من باب التربية الوطنية وتقديم المرأة السودانية كشريك حقيقي للرجل السوداني في مسيرة البناء الوطني .

لقد جاءت فاطمة من خلفيتين، الخلفية الأولى انتماءها لأسرة المقدمية والتي تعرف باصالة القيم والتقاليد الراسخة للمجتمع الدارفوري المحافظ والسوداني عموما ومجتمع جنوب دارفور، وتمتاز المقدومية ومثلها كبقية الادارات الأهلية في دارفور وعموم السودان ، لا يعرف للمرأة مكانة للسلطة والقيادة، وان الرجل هو من يحكم ومن يقود .

كان ذلك هو التحدي الاكبر الذي واجهته فاطمة في مسيرتها وهي قادمة بمعرفة أصيلة ومستنيرة من مدرسة بابكر بدري ، ولكنها كانت على قناعة تامة ان للمرأة حكمة وسلطة مثلها مثل الرجال. ذلك ليس ببعيد عن تجربة المرأة من لدن حضارة كوش ومرورا بسلطنات السودان الوسطى وختاما بالميارم.

اما الخلفيه التنظيمية، عملت في الاتحاد العام للمرأة السودانية حتى وصلت الى البرلمان القومي.

ولكن ما يميز فاطمة في مسيرتها الوطنية انها تميزت بصفة الشجاعة ان تقدم تجربة جديدة بعد مائة وخمسين عاماً بعد رحيل السلطان علي دينار وحكم الميارم ، أن تبني رؤيتها نحو حرية المرأة وسيادتيها وإيمانها بأن للمرأة القيادة . وأن بإمكانها ان تصبح عمدة وقاضية محكمة تفصل في النزاعات المختلفة.

في وقت يكاد أن يختفي صوت المرأة تماماً، وكان ذلك أملها أن يكون للمرأة دور ، ربما اردات أن تعيد سيرتها الأولى أيام سلطة الميارم في عهد السلاطين. او ربما لأنها أخذت تجربة مدرسة الأحفاد بابكر بدري هذه التجربة السودانية الفريدة والتي مكنت المرأة من خلال التعليم أن تقود مجتمعها وأن تحدث نقلة وتحول من التقاليد إلى الحداثة ومن السودان القديم إلى السودان الجديد.

برحيلها تركت فاطمة تجربة فريدة في مسيرتها حول مشاركة المرأة في الحكم السياسي والأهلي كما أنها تركت تجربة في مجال تعليم المرأة والطفل . يجب أن تكرم فاطمة من قبل حكومة إقليم دارفور وتقدم تجربتها للمرأة السودانية في اليوم العالمي للمرأة.

الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠٢٥م

القاهرة

Exit mobile version