الفاشر كل يوم: علي منصور حسب الله
الفاشر لا تئن في الخفاء الفاشر تنزف جهراً تحت الشمس في وضح النهار على مرأى من العالم دون خجل أو مواربة لا تجدي الأقنعة هنا ولا يصلح الصمت تبريراً المدينة تتآكل يوماً بعد يوم لا بفعل الجوع وحده بل بالإهمال الذي يرتقي لدرجة الخيانة وبالخطابات التي لا تُطعم جائعاً ولا ترد غازياً
في عيون البعض يريدون للفاشر أن تكون ستالينغراد السودان صامدة شامخة عصية على الانكسار يطالبونها بالصبر وبالتضحية وبأن تكون المعركة الفاصلة في وجه المرتزقة لكن كيف؟ بأي سلاح؟ بأي مؤن؟ بأي جسد يستطيع أن يصمد أمام القصف إن لم يجد ما يسدّ رمقه؟ بأي صوت تنادي المدينة المذبوحة على من يدّعون حمايتها؟
المدينة محاصَرة لا طعام لا دواء لا دعم حقيقي فقط شعارات تُلقَى من خلف الميكروفونات من غرف مكيفة وكراسي وثيرة لكن هذه الكراسي مهما بدت مستقرة اليوم ستُقلب غداً إذا سقطت الفاشر لن يهنأ أحد بالجلوس حين يحترق الجدار الأخير الذي يحمي البقية الباقية من الكرامة الوطنية
أين الإمداد العسكري؟ أين الخطط؟ أين التحرك السياسي الجاد؟ أليس من الخزي أن تُترك الفاشر تواجه وحدها حشود المرتزقة المدججين بكل أدوات البطش؟ أليس من العار أن تجوع المدينة بينما تتكدس المساعدات في المعابر وتُعطلها حسابات باردة لا تليق بحرارة الدماء المسفوكة؟
إنّ معركة الفاشر اليوم ليست مجرد مواجهة عسكرية إنها معركة على هوية وطن على كرامة شعب على مستقبل دارفور بأكملها بل السودان اجمعه سقوط الفاشر لا قدّر الله لن يكون حدثاً عادياً بل شرخاً عميقاً في وجدان الأمة وخنجراً في خاصرة الدولة السودانية ولا تقف المأساة عند الفاشر وحدها
نيالا الجنينة زالنجي الضعين… كلها في طريقها إلى الهاوية ما لم تُستنفر الجهود وتُعاد الحسابات كل مدينة تُترك وحدها تُنهك وتُحتل تُفرغ من أهلها وتُستبدل بهياكل الموت والخوف كيف نسمح بذلك ونحن نمتلك القدرة لو صدق العزم على قلب المعادلة؟
إنّ تحرير الفاشر واجب لا مجرد أمنية وصمودها لا يُشترى بالخطب بل بالدعم الحقيقي بالسلاح بالغذاء بالإعلام بالحاضنة الشعبية والسياسية التي تقف لا على الهامش بل في خط النار الأول
لا وقت للمجاملات من يراهن على صبر الفاشر أكثر مما تحتمل فإنه يخاطر بكل السودان
ولمن يظن أن الصمت سيقيه من السقوط فلينظر في عيون الجياع في أجساد الأطفال التي هزلت في العائلات التي شُردت في الدموع التي لم تجد من يمسحها هذه المدن حين تنهار لا تنهار وحدها بل تأخذ معها شرعية الجميع.
الكرسي ليس أقوى من صوت الفاشر ولن يدوم لمن لا يحميها فلتبقَ الفاشر حرة…
ولتُطهَّر نيالا وتُستعاد الجنينة وتُبعث زالنجي وتنهض الضعين
وإلا… فإن التاريخ لن يرحم والشعوب لا تنسى