صدى الواقع: محمد مصطفى الزاكي

صمتٌ مُريبٌ يلفّ الفاشر ودارفور: تساؤلات حول “صمود” والمجتمع الدولي تتوالى الأنباء المروعة من الفاشر وباقي مناطق دارفور، حيث ترتكب مليشيات الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين العزل، في ظل صمتٍ يكاد يكون مطبقاً من جهاتٍ كان يُفترض بها أن تكون صوت هؤلاء الضحايا.

فبينما تتصاعد وتيرة القتل اليومي والتهجير القسري، كان آخر فصول هذه المأساة استهداف المليشيات لمصلين يؤدون صلاة الفجر في جماعة بمدينة الفاشر، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا الأبرياء.

هذه الجريمة النكراء، التي تهدف بوضوح إلى إجبار السكان على ترك منازلهم وأراضيهم، ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من الفظائع التي تشهدها المنطقة.. وسط هذه الكارثة الإنسانية، يبرز تساؤلٌ ملحٌّ حول صمت مجموعة “صمود” من السياسيين والنشطاء السودانيين، ومعهم المجتمع الإقليمي والدولي. هذه المجموعة، التي يُفترض بها أن تكون في طليعة المدافعين عن حقوق الشعب السوداني، تبدو وكأنها قد ابتلعتها دوامة الصمت، تاركةً المدنيين يواجهون مصيرهم وحيدين.

هل أجبرت الدولارات الإماراتية، التي يُشاع أنها تدعم المليشيات في حربها ضد السودان وتُصرف على مؤيديها السياسيين والنشطاء المتوزعين بين فنادق الإمارات وأوروبا وبعض الدول الأفريقية، هؤلاء على التزام الصمت؟ هل كانت هذه الأموال كفيلة بشراء ضمائرهم، وإسكات أصواتهم التي كان يجب أن ترتفع عالياً لإدانة هذه الانتهاكات؟، أم أن الأمر يتجاوز مجرد الصمت إلى تورطٍ فعلي؟ هل أغلقت أمامهم فرص الحديث عن الحرب إلا في حدود إدانة الجيش السوداني، الذي لا يزال يقاتل من أجل إنقاذ المدنيين الذين يكتوون بنيران المليشيات في دارفور وكردفان؟.

إن هذا التساؤل يضع هؤلاء السياسيين والنشطاء أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية، فصمتهم أو توجيه أصابع الاتهام نحو جهات أخرى بينما تُرتكب الفظائع بحق أبناء وطنهم، يُعد تواطؤاً لا يمكن تبريره… إن أزمة السودان الحالية، بكل تعقيداتها وويلاتها، تدفعنا للتساؤل: هل صدق من قال إن أزمة السودان تكمن في نخبها الانتهازية التي تقدم مصالحها الشخصية على مصالح الشعب والوطن؟ إن صمت “صمود” والمجتمع الدولي، وتجاهلهم للجرائم المرتكبة في دارفور، يعزز هذه الفرضية المؤلمة.

فبينما يُذبح الأبرياء وتُهدم البيوت، يبقى صوت العدالة خافتاً، وتُترك الفاشر ودارفور تواجهان مصيراً مجهولاً، في انتظار من يكسر حاجز الصمت ويقف في وجه الظلم… الانتهاكات المتصاعدة في دارفور: شهادات حية وأرقام مفزعة تُشير التقارير الواردة من الفاشر ومناطق دارفور الأخرى إلى تصاعد غير مسبوق في وتيرة الانتهاكات التي ترتكبها مليشيات الدعم السريع.

فبحسب شبكة أطباء السودان، قُتل 43 سودانياً أثناء صلاة الفجر في الفاشر جراء استهداف بطائرة مسيرة، في جريمة تُضاف إلى سجل طويل من الفظائع… كما أفادت الأمم المتحدة بمقتل 89 شخصاً على الأقل خلال 10 أيام في الفاشر ومخيم أبو شوك المحاذي لها، جراء هجمات الدعم السريع.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي أرواح أزهقت، وعائلات دُمرت، ومستقبل أُجهض… إن استهداف المدنيين، وحصار المدن، وتدمير البنى التحتية، كلها ممارسات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتستدعي تحركاً دولياً عاجلاً وحاسماً.

كما يثير صمت “صمود”: تساؤلات حول الدوافع والخلفيات تُعد مجموعة “صمود” تحالفاً مدنياً ديمقراطياً لقوى الثورة، وقد أعلنت عن رؤى ومبادرات لإنهاء الحرب في السودان، ومع ذلك، فإن صمتها الملحوظ تجاه الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها مليشيات الدعم السريع في دارفور يثير العديد من علامات الاستفهام.

فبينما تُدين المجموعة أطرافاً أخرى في الصراع، يبدو أن جرائم الدعم السريع لا تحظى بنفس القدر من الإدانة أو حتى الاهتمام… هذا التباين في المواقف يفتح الباب أمام تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الصمت… هل يعود ذلك إلى ضغوط خارجية، أم إلى حسابات سياسية داخلية؟، وتُشير بعض التقارير إلى أن الإمارات العربية المتحدة تقدم دعماً لمليشيات الدعم السريع، وقد اعترفت الإمارات نفسها بتقديم أسلحة للمليشيات في السابق، وتعهدت بوقف الدعم العسكري المستقبلي.

كل هذه المعلومات تضع مجموعة “صمود” في موقف حرج، خاصة وأن هناك اتهامات بأن الدولارات الإماراتية تُصرف على سياسيين ونشطاء سودانيين متواجدين في الخارج. فهل أصبحت هذه الأموال قيداً على حريتهم في التعبير وإدانة الجرائم؟ وهل أثرت هذه العلاقات على بوصلة مواقفهم، وجعلتهم يغضون الطرف عن معاناة أبناء وطنهم في دارفور؟.

Exit mobile version