تقرير: عبدالعظيم البشرى

 

تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أسوأ أزمتها الإنسانية منذ سنوات، في ظل استمرار الحصار الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع واستهداف المدنيين بالقصف العشوائي، ما أدى إلى تدهور الأوضاع بشكل كارثي، خصوصًا في مراكز الإيواء والمناطق الأكثر تضررًا في أحياء المدينة.

أطفال يتضورون جوعًا، نساء يعانين من نقص الغذاء والمياه، وكبار السن بلا رعاية طبية، كلها مؤشرات على أزمة إنسانية تهدد حياة سكان الفاشر، الذين باتوا يعيشون تحت وطأة حصار مستمر ونقص حاد في المواد الأساسية، وهو ما يعكس حجم الكارثة التي تفتك بالمدينة وأهلها منذ أسابيع.

انعدام الغذاء والموت البطيء للأطفال:

تشير تقارير محلية إلى أن انعدام الغذاء في الفاشر وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يعاني الأطفال في مراكز الإيواء من سوء تغذية حاد، وغالبيتهم أيتام فقدوا آباءهم خلال أحداث العنف السابقة أو جراء القصف المستمر في المدينة. وفي هذا السياق، أشار الباشمهندس محمد خميس دودة، المتحدث باسم مخيم زمزم للنازحين، في تصريح لـ”دارفور الآن”، إلى أن “الأوضاع الإنسانية في الفاشر متدهورة للغاية، مع انقطاع كامل للمواد الغذائية وإغلاق الأسواق نتيجة استمرار استهداف المدينة بالقصف المكثف والتدوين المستمر”، موضحًا أن غالبية التكايا توقفت عن تقديم الدعم باستثناء مبادرة العمل وتكية الفاشر، اللتان تعملان بشكل متقطع بسبب شح الموارد.

الفاشر تصرخ.. الأطفال يموتون جوعًا في ظل صمت العالم

وأكدت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر، في بيان صدر في 28 سبتمبر، حدوث “تدهور كارثي” في الأوضاع الإنسانية خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصًا في أحياء شمال المدينة ومعسكر أبو شوك للنازحين، حيث توفي أكثر من 73 طفلاً دون سن الخامسة، بالإضافة إلى 22 من كبار السن خلال 40 يومًا فقط، جراء الجوع والمرض ونقص الخدمات الصحية الأساسية، إلى جانب القصف المدفعي الذي طال مخيمات النازحين، مشيرة إلى وجود جثث متناثرة في الشوارع والطرقات، ما يعكس حجم المعاناة التي يواجهها السكان يوميًا.

نداءات عاجلة لإنقاذ المدنيين:

في ظل هذه الظروف، أطلقت تكية الفاشر، وهي مبادرة أهلية لتقديم الدعم الغذائي، نداءً عاجلاً لإنقاذ السكان من خطر المجاعة، داعية إلى إيصال المساعدات الإنسانية ورفع الحصار المفروض على المدينة منذ عدة أشهر.

وقال مسؤول تكية الفاشر، محيي الدين شوقار، في تدوينة على صفحته بفيسبوك: “الوضع الإنساني في المدينة يشهد تدهورًا كارثيًا وغير مسبوق، مع نقص حاد في الغذاء والمياه الأساسية، ما أدى إلى تفاقم حالات سوء التغذية بين الأطفال والنساء وكبار السن”، مضيفًا أن الحصار الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع على المدينة تسبب في قطع طرق الإمداد ونفاد المواد الغذائية الأساسية، ما يهدد بوقوع مجاعة شاملة في أي لحظة.

ودعا شوقار المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى التحرك الفوري للضغط على المليشيا لرفع الحصار والسماح بدخول المساعدات عبر جميع المعابر الإنسانية، مؤكدًا على ضرورة وضع خطة لتنفيذ عمليات الإسقاط الجوي للمواد الغذائية والطبية، محذرًا من أن أي تأخير في إيصال المساعدات “يعني تعريض المدنيين للموت جوعًا”، ومحملاً المسؤولية الأخلاقية والقانونية لكل من يعرقل وصول الإغاثة. وأضاف: “جوع طفل أو موت امرأة أو رجل مسن بسبب الحصار هو جريمة إنسانية يجب محاسبة المسؤولين عنها”.

تدهور الخدمات الصحية وانعدام الرعاية الطبية:

إلى جانب نقص الغذاء، يعاني المدنيون من شح حاد في الخدمات الطبية الأساسية. ويشير دودة إلى أن عددًا كبيرًا من الجرحى والأطفال والنساء يحتاجون إلى رعاية عاجلة، في حين أن المرافق الصحية في المدينة إما متوقفة أو تعمل بقدرة محدودة بسبب القصف المستمر ونقص الأدوية والمعدات الطبية. ويعيش سكان المدينة حالة من الخوف والقلق المستمرين نتيجة الهجمات المستمرة، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.

 

انعدام الغذاء والرعاية الطبية يهدد حياة مئات الآلاف في الفاشر

استهداف المدنيين وارتفاع عدد الضحايا:

وفي أحدث التطورات، أشارت الأمم المتحدة إلى أن الهجمات المتكررة على المدنيين ومراكز الإيواء في الفاشر أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا. حيث أكدت منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، دينيس براون، أن هجمات بطائرات مسيرة استهدفت موقعًا للنازحين في حي الدرجة الأولى، بين مساء الجمعة وصباح الأحد، ما أسفر عن مقتل 57 مدنيًا على الأقل، بينهم نساء وأطفال.

وأكدت براون أن الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية المدنية يشكل خرقًا للقانون الدولي الإنساني، محذرةً من خطورة استمرار هذه الهجمات على حياة المدنيين. وشددت على ضرورة إجراء تحقيقات شاملة ونزيهة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، داعية المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف العنف في المدينة وحماية السكان.

حصار مستمر وتهديد بالمجاعة:

تستمر الفاشر تحت حصار متعدد الجوانب، إذ تمنع المليشيا مرور الإمدادات الغذائية والطبية، بينما تعاني المدينة من نقص المياه والكهرباء وانقطاع خدمات الاتصالات، ما يزيد من صعوبة وصول المساعدات إلى المحتاجين. ويؤكد المسؤولون المحليون أن استمرار الحصار بهذه الصورة قد يؤدي إلى مجاعة واسعة النطاق، مع تعرض مئات الآلاف من المدنيين لخطر الموت البطيء نتيجة الجوع والمرض ونقص الخدمات الأساسية.

كما أشار شوقار إلى أن أي محاولة لإدخال المساعدات تواجه صعوبات جمة نتيجة التضييق الأمني والتخريب المستمر للطرق والمرافق، وهو ما يحول دون تقديم الدعم للمحتاجين في الوقت المناسب. ويعيش سكان المدينة، وفقًا لتقارير منظمات الإغاثة، حالة من الرعب الدائم، إذ باتت الحياة اليومية تتعلق بمحاولة البحث عن لقمة غذاء وماء نظيف، وسط تهديدات مستمرة من القصف والهجمات العشوائية.

دعوات دولية لتحرك عاجل:

مع تدهور الأوضاع، تتواصل الدعوات الدولية لإيجاد حل سريع ورفع الحصار عن المدينة، حيث طالبت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة وقف الهجمات على المدنيين، وحماية الملاجئ والمستشفيات، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود. وأكدت هذه الجهات على أن أي تقاعس عن التحرك يمثل تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين، ويشكل جريمة ضد الإنسانية.

وشددت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية على أن الوضع في الفاشر يتطلب استجابة عاجلة، وإجراءات عاجلة لتأمين وصول الغذاء والمياه والأدوية، معتبرة أن الوقت لا يزال يسمح بالتدخل قبل أن تتفاقم الأزمة وتتحول إلى مجاعة شاملة تهدد حياة مئات الآلاف.

 

تكية الفاشر تطلق نداءً عاجلًا لإنقاذ المدنيين من خطر المجاعة

ختامة:

مع استمرار القصف والحصار، يبدو أن مدينة الفاشر على حافة كارثة إنسانية شاملة، مع ارتفاع أعداد القتلى والجرحى بشكل يومي، ونقص حاد في الغذاء والمياه والخدمات الطبية. ويؤكد السكان المحليون والمنظمات الإنسانية أن أي تأخير في الاستجابة قد يؤدي إلى فقدان المزيد من الأرواح، ما يجعل التدخل الدولي والإغاثي عاجلاً ضرورة ملحة لإنقاذ المدنيين من الموت البطيء الذي يفرضه الحصار المستمر.

إن الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل تمثل صورة حية لمعاناة إنسانية تتطلب تحركًا عاجلاً وحاسمًا من جميع الجهات المحلية والدولية لضمان وصول الغذاء والمياه والدواء وإنقاذ آلاف الأرواح قبل فوات الأوان.

Exit mobile version