ضل الحراز :  علي منصور حسب الله

لم يكن سؤالي عن ظروف وفاة الدكتور إبراهيم موسى زريبة مجرد تكهن أو استهداف لشخص بعينه بل كان سؤالًا منطقيًا تُحتّمه طبيعة المرحلة وسجل مليشيا الدعم السريع التي اعتادت على تصفية حتى أقرب حلفائها حينما يصبحون عبئًا أو أصواتًا مزعجة والسؤال مشروع هل توفي الدكتور إبراهيم زريبة بأجله المحتوم أم لقي مصيرًا شبيهًا بغيره ممن تمت تصفيتهم سرًا ؟ لكن بدلاً من النظر إلى هذا الاحتمال بموضوعية جاءتني هجمات من داخل معسكر داعمي مليشيا دقلو ترفض مجرد طرح الفرضية وكأنهم يمنحون المليشيا شهادة براءة مطلقة بينما الوقائع اليومية في دارفور والخرطوم والجزيرة وكردفان تؤكد العكس الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن مليشيا الدعم السريع نشأت من رحم الفوضى وتضخمت على أنقاض الدولة وجعلت من الاغتيال والابتزاز والترويع أدوات للبقاء هي ليست طرفًا عاديًا في صراع مسلح بل كيان وظيفي يعمل بعقلية العصابات خارج أي إطار قانوني أو سياسي وطني ومن هنا يصبح طرح فرضية تصفية الدكتور إبراهيم زريبة أمرًا طبيعيًا خاصة بعد انتقاده العلني للمليشيا إثر اعتدائها على إحدى قرى الزيادية فإبراهيم زريبة لم يكن شخصية عابرة في المشهد السياسي فقد كان قياديًا بارزًا في الحركات المسلحة وتولى ملفات حساسة منذ مفاوضات الدوحة وحتى جوبا كما ساهم في تأسيس وتنظيم تحالف (قمم) القوى المدنية المتحدة كان صوته مسموعًا وسط قطاعات من الشباب والمجتمع المدني وشخصية مؤثرة في الأوساط التفاوضية والسياسية والخلافات المحتدمة بينه وبين قيادة التنظيم السياسي المقرّب من المليشيا والذي يمثل الذراع السياسي لها وإلى جانب استقالته من موقعه القيادي مجبرا جعلته في نظر قادة الدعم السريع خصمًا داخليًا بل هدفًا محتملاً للتصفية الجسدية ومن يراجع سجل المليشيا يجد أن تصفية الحلفاء أمر مألوف في قاموسها

عبد الناصر أخصائي العلاج الطبيعي انتهى به الأمر معتقلًا في سجن دقريس ورنوش جاد الرب إحدى الوجوه الثورية في ديسمبر سُجنت أيضًا في دقريس والصحفي مصعب الهادي والأكاديمي مصطفى معاذ واجها المصير ذاته أما القائد الميداني جلحة تحوم حوله شبهات تصفية غامضة آخرون مثل أبو الجود المسيري وأنور كوشيب وابراهيم بقال اختاروا الهروب بعدما أدركوا أن البقاء داخل المليشيا يعني انتظار مصير مجهول حتى المقربين مثل محمد الفاتح (جوج ما جوج) لم يسلم من الاعتقال والتنكيل بينما نجا بدران العجيزي من موت محقق وخرج في مقطع فيديو يهدد بفضح المستور فالاستهداف لم يقتصر على الأفراد بل طال الإدارات الأهلية التي كانت من أكبر الداعمين للمليشيا الناظر التوم الهادي دبكة (بني هلبة) أُهين علنًا بعد أن اعتُقل أبناء قبيلته من قِبل المليشيا والناظر مختار بابو نمر ناظر (المسيرية العجايرة) دخل في صراع مباشر بعد اعتقال صهره ولم تفلح وساطته لدى عبد الرحيم دقلو بل جوبه بتهديد مباشر من القيادي صالح الفوتي

والشاب موسى نجل الناظر عبد المنعم الشوين (الفلايتة) مات تحت التعذيب في سجون المليشيا وهو المصير ذاته الذي لقيه إبراهيم وادي إبراهيم ابن عم ناظر الرزيقات

ووفقًا لمصادر متقاطعة يقبع اليوم أكثر من ألف شاب من أبناء الرزيقات في سجون المليشيا بعضهم تمّت تصفيته والبقية يواجهون مصيرًا مجهولًا في هذا السياق يصبح التساؤل حول وفاة الدكتور إبراهيم زريبة أكثر من منطقي الرجل خرج عن الصف انتقد المليشيا دخل في خلافات تنظيمية حادة ثم أجبر على الاستقالة أي أنه تحوّل وفق منطق المليشيا إلى (صوت مزعج) وحين نتذكر أن آل دقلو لم يُبقوا حتى على أقرب الناس إليهم يصبح من غير المستبعد أن يكون زريبة قد واجه المصير ذاته إن ما يحدث اليوم يجب أن يكون جرس إنذار لكل من لا يزال يراهن على مليشيا الدعم السريع كمشروع سياسي أو كطريق لحل الأزمة الوطنية فهذه المليشيا لم تعد خطرًا على خصومها وحدهم بل أصبحت خنجرًا مسمومًا في خاصرة أنصارها أنفسهم فهي تستهلكهم كوقود ثم تتخلص منهم بلا رحمة لقد سقط القناع وصارت مليشيا آل دقلو لا تمثل ثورة ولا قضية الهامش ولا أي مشروع وطني هي مجرد كيان عسكري منفلت يتغذى على التناقضات ويحكم بالخوف ويتآكل من الداخل بسبب صراعاته وجرائمه ومن بقي داخلها فعليه أن يسأل نفسه بصدق من التالي؟

Exit mobile version