تقرير: الفاتح بهلول

 

مثلما أخرجت أرض الشمال السوداني نخلات جادت لنا بالرطب، فإن ذات الأرض قد أخرجت لنا مدينة مروي الطبية كأضخم مشروع صحي متكامل تم إنشاؤه بمساحة قدرها 23000 متر مربع. بدعم من وحدة تنفيذ السدود، رأى المشروع النور في العام 2007 كأحدث مجمع طبي في السودان يحتوي على مرافق طبية مجهزة بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية، ليقدم للسودانيين خدمة علاجية متكاملة. فضلاً عن كادر إداري متميز استطاع بجدارة أن يجعل المدينة تشهد تطورًا مستمرًا يواكب البرتوكولات العالمية في المجال الصحي.

مع اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، وخروج معظم المراكز العلاجية الحكومية والخاصة، أصبح لمدينة مروي الطبية شأن آخر. بفضل الأطباء الأوفياء مثل البروفيسور يوسف حسن إستشاري علاج الاورام و البرفسور صلاح الباشا استشاري أمراض القلب والبروفيسور النمير إستشاري جراحة القلب ، استطاعت المدينة أن تقف على قدميها وهي تحتضن كل مريض يبحث عن الدواء. كان لوجود هذه الكوادر الطبية أثر كبير في أن يتقبل أهل مروي هذا التحدي رغم استهداف المليشيات الممنهج لموارد الطاقة منذ الطلقة الأولى إلا أن المدينة الطبية لم ينكفئ ضوئها لحظة، مما جعلها ملجأ لأهل السودان في زمن المحن.

مدينة مروي الطبية نموذج للجهود الإنسانية

مروي الطبية: إنجازات و تحديات

أدت حرب الخامس عشر من أبريل إلى انهيار متسارع للمؤسسات الصحية الحكومية والخاصة، خاصة تلك التي كانت تحتضنها الخرطوم ومدينة ود مدني، والتي كانت بمثابة قبلة لأهل السودان ودول الجوار. مع اجتياح المليشيات لمدينة مدني، أصبحت مدينة مروي الطبية هي البديل الوحيد، لما تتمتع به من بيئة صحية ذات مواصفات عالمية وأقسام لكافة التخصصات

وأكدت الأستاذة منة محمد سليمان ، المدير العام (لدارفور الآن)، أن خيار مدينة مروي الطبية كان موفقًا، حيث يتم توفير أعلى مستويات الرعاية الصحية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد و الوضع الإقتصادي الذي يعيشه إنسان السودان

وأضافت الأستاذة منة أن إدارة المدينة الطبية جعلت تركيزها الكامل على المرضى، حيث تم نقل 250 حالة مرضية من جميع ولايات السودان التي كانت تُعالج في مدينة ود مدني إلى مدينة مروي، وذلك بسبب توفر جميع التخصصات الطبية. كما أكدت على أن انقطاع العلاج في بعض الحالات أدى إلى تدهور صحة المرضى، ولكن الكوادر الطبية تعمل بهمة عالية و يقين راسخ ما أسهم في استقرار حالتهم. وخلال الحرب استقبلت المدينة حالات من خارج السودان بفضل الدعم الدوائي الكبير من الإمدادات الطبية. كاشفةً عن ايلولة المدينة لصندوق الضمان الإجتماعي كان وراء المحافظة و الاستمرارية وهذا احد اهم العوامل الجيدة

صندوق الضمان سر إستمرار مدينة مروي الطبية

مريض السرطان يستحق العلاج

يُعد مرض السرطان ابتلاء من الله، غالبًا ما يترك أثرًا نفسيًا على المريض وأسرته. لذلك، يعتبر العلاج في المراحل الأولى أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في ظل تزايد حالات الإصابة بالأورام. إضافة إلى ذلك، فإن الدعم النفسي له دور كبير في شفاء المرضى. وبالرغم من التأثير الكبير للحرب، إلا أن مدينة مروي الطبية حرصت على تقديم الرعاية المميزة للمرضى، حيث يشارك في العلاج أفضل الاستشاريين في هذا المجال.

وأكد البروفيسور يوسف حسن، استشاري أمراض الأورام، أن مروي الطبية قدمت خدمة كبيرة للمرضى بفضل امتلاكها لأحدث الأجهزة العلاجية. وأضاف أن الحرب ساهمت في تأخير وصول المرضى، و هذا يؤدي إلى زيادة انتشار المرض، خاصة في حالات سرطان الثدي وسرطان الدم. كما لفت إلى أن علاج الأورام مدعوم من الدولة ( شبه مجاني ) ، لكن الحاجة إلى جهاز إشعاعي إضافي لا تزال قائمة لضمان تقديم خدمة علاجية مستمرة.

 

مريض السرطان يستحق الإهتمام

تضامن إنساني لمرضى السرطان بمروي 

قال الأستاذ مزمل أحمد سليمان من ولاية غرب كردفان (ودبندة) إنه فوجئ بتوفير مدينة مروي لحلولًٍ شاملة لمرضى السرطان، حيث يتم استقباله وتوفير السكن والإعاشة، إضافة إلى العناية الطبية. وأشار إلى أن ديوان الزكاة وجمعية مرضى السرطان في مروي قدموا دعماً كبيراً للمحتاجين، بما في ذلك توفير كساوي العيد. كما أكد أن إقامته في مروي استمرت لأكثر من ستة أشهر، حيث تعافى خلالها وتلقى الدعم المادي والمعنوي.

وأضاف مزمل أن سكان الشمال السوداني يظهرون دائمًا حبهم للخير، حيث أن النسوة في مروي يقدمن وجبات العشاء للمرضى ومرافقيهم، مما يعكس التكاتف الاجتماعي والإنساني في هذه المدينة.

 

دور لإيواء مرضى السرطان 

حضارة مروي الضاربة الجذور جعلت من أهالي الولاية الشمالية سباقين في فعل الخير، خاصة عندما يتعلق الأمر بداء عضال يصيب الإنسان. لذا، لم يكن غريبًا أن توجد جمعية خيرية تعنى بشؤون مرضى السرطان للوافدين إلى مدينة مروي الطبية. وقال الأستاذ حيدر الساعوري رئيس جمعية دعم مرضى السرطان في مستشفى الضمان إن الجمعية تعنى بإيواء المرضى والمرافقين، وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم وهذا بدوره إنعكس ايجاباً على المرضى و المرافقين في الإهتمام بالنظافة و المحافظة

وأضاف أن الجمعية بدأت بتأجير دار واحدة كإستراحة بدعم من أبناء مروي، ومع تزايد عدد المرضى، تم تأجير سبعة دور موزعة على عدد من المحليات. وتخطط الجمعية لبناء برج يسع كافة الوافدين إلى مروي، مثمنًا دور حكومة الولاية ورئاسة المحلية في توفير قطعة أرض لهذا المشروع. وأكد ضرورة دعم الحكومة والمجلس السيادي لتكملة تشييد دار إيواء مرضى السرطان.

الخاتمة :

مدينة مروي الطبية تمثل نموذجًا للجهود الإنسانية والصحية في السودان، حيث تتحد الظروف الصعبة مع إرادة الأطباء والمجتمع المحلي لتوفير الرعاية الصحية في أوقات الأزمات. بالرغم من التحديات الكبيرة، أثبتت المدينة أنها قادرة على تلبية احتياجات المرضى، مما يجعلها ملجأ وملهمة للأمل في زمن المحن.

Exit mobile version