كتب: محيي الدين جمعة

 

 

في الواقع، لقد مر مشروع السودان الجديد بمنعطفات عدة، منذ ان بدأ المشروع كفكرة جامعة تجاوزت الحركة الشعبية ، كتنظيم سياسي مضبوط بهيكل تنظيمي موحد. ثم صارت الفكرة مشروعاً لكل من يدعو إلى اصلاح مؤسسات الدولة السودانية ،  على اسس جديدة .

لقد اتسع المشروع عندما ذهب د. جون قرنق بعد ان اكمل هيكلة الحركة واعد رؤيتها ، ثم اقام لاحقاً مع عدد من القوى السياسية المعارضة للنظام الحاكم اكبر تحالف سوداني سمي وقتها بالتجمع الوطني الديمقراطي ١٩٩٦م ، والذي كانت غايته توحيد القوى السياسية السودانية تحت مظلة واحدة ، عسكريا ومدنيا لاسقاط حكومة الجبهة الاسلامية وتاسيس السودان الجديد.

لم تأتي تلك المحاولة بالصدفة بل كانت عملية معقدة بعدما تجاز مشروع حركة واحدة ليكون مشروعاً لكافة القوى السياسي، ويصبح اطاراً سياسيا وعسكريا واجتماعيا جامعاً لكل السودانيين.

يشير التاريخ السياسي لتلك الفترة من 22 اكتوبر 1996 ، إلى قرارات قيادة التجمع الوطني الديمقراطي السوداني أن يتولى العقيد جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، القيادة العسكرية المشتركة للمعارضة، فيما تم اختيار الفريق أول فتحي أحمد علي، قائد القيادة الشرعية للقوات المسلحة السودانية، منسقًا عامًا للعمل العسكري، واختير مولانا محمد عثمان الميرغني رئيسا للتجمع، والحبيب مبارك الفاضل امينا عاما.

 

لا نود ان نطيل في ذكر الاحداث التاريخية للمشروع التي صاحبت بلورته وانتشاره ، ولكن من المهم بمكان ان نتناول ابرز المحطات التي شكلت الرؤية، بعد مؤتمر شقدوم الأول للحركة الشعبية ١٩٩٤م .

ربما يعتقد البعض ان مشروع السودان الجديد قد فشل في تحقيق السودان الموحد ، وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً البت، لان المشروع لم يعطى فرصة ان ينزال على الارض الواقع بالصورة التي جاء بها د. جون قرنق ورفاقه.

ولقد صمم اتفاق السلام الشامل خارطة طريق دستورية شاملة لكيف يحكم السودان ؟ وكيف يصير موحدا ؟ وما هي الاشياء التي اذا توفرت في الفترة الانتقالية من ٢٠٠٥ الى ٢٠١٠م تبقى السودان موحدا.

 

بعد اعلان انفصال دولة جنوب السودان ٢٠١١م من خلال الاستفتاء لاختيار شعب الجنوب بين الوحدة او الانفصال ، فختار الجنوبيون الانفصال وهو استحقاق دستوري. فحدث، وهو امر طبيعي بعده فك الارتباط بين الحركة شمالاً وجنوباً. هذا الفك ليس فكرياً وإنما جغرافياً حيث أن الحركة ماتزال تحتفظ بالذاكرة النضالية المشتركة.

اذاً مرت الحركة بعد الإنفصال إلى قيام حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣م، بعدة منعطفات، انتجت واقعاً جديداً يشير الى عدد من الرؤى؛ رؤية يقودها الرفيق القائد سلفا كير مياديت وهو رئيس حزب الحركة الشعبية في الجنوب ، ورؤية يقودها الرفيق القائد مالك عقار اير رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال.

ان رؤية او مشروع السودان الجديد كما ذكرنا سابقاً بدا اطاراً شاملاً comprehensive framework و inclusive استيعابياً، يتجاوز الخصوصية الجغرافية لكل من الشمال والجنوب حيث أن السمات الاساسية التي شكلت المعطيات للمشروع ماتزال متوفرة وثابتة في كلا المكانين شمالاً وجنوباً، مما يجعل الرؤية ثابتة، وموضوعية، مثل التنوع والتعدد وكيفية ادراتهما بصورة تعكس وتعزز العدالة الاجتماعية.

ومن خلال هذا السياق يقع على عاتق كلا القائدين مسؤولية تحقيق هذا المشروع الذي لايزال ان ينزل الى الارض ، لطالما ان الجنوب والشمال لايزال يعيشان حالات من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والدستوري.

في ١٨ اكتوبر ابتدر القائد مالك عقار اير ندوة سياسية استضافها مركز جمال عنقرة للخدمات الصحفية في مدينة بورتسودان حول الاوضاع الراهنة في السودان، تحدث القائد عن نشأة وتطور الحركة الشعبية، كما تناول موقف الحركة من الحرب الجارية في البلاد، وكشف عن الشخصيات التي تورطت في فصل الجنوب، والاخطاء المنهجية التي صاحبت اتفاقية جوبا لسلام السودان ٢٠٢٢م وضرورة تاسيس الدولة السودانية على اسس جديدة ، كل ذلك الحديث لا يخرج عن الاطار العام لمشروع السودان الجديد فهو مشروع يتغطى الاحداث الحالية ويشخص المستقبل نفسه. لا يبدو ذلك الامر سهلا والذي يتطلب اليقظة المستمرة Vigilance والمقارنة بين الواقع والمشروع والخبرات التراكمية السابقة . ذلك هو مسار تشكل البلدين شمالا وجنوباً في ظل التدخل الاقليمي الدولي الذي يسعى لتفيت السودان شمالاً وجنوباً وتحويلهما لدول هشة غير قادرة على الاعتماد على ذاتهما .

Exit mobile version