صدى الواقع: محمد مصطفى الزاكي
سألته عندما وجدته يرتعد حتى يكاد يسقط من يدي: لماذا ترتجف أيها القلم وأنت في يدي؟.
القلم: لأني عاجز عن رسم الحروف، بل أكون صريحاّ معك الكلمات التي تسيل من إمعائي، أراها عاجزة أن تحمل ثقل هذا الخراب الذي يملأ المكان؟ بلادك يا كاتبي العزيز، التي كانت في يومها قصيدة من نور، أراها اليوم غارقة في بحر من دموع ودماء.
الكاتب: صدقت يا صديقي لكني أريد أن أنقل هذا الواقع، ألا ترى أن واجبنا يحتم أن تنقل أخبار الناس وأحوالهم للعالم؟
القلم، يبتسم ويقول: تتصور أن العالم غائب عليه ما يحاك ضد أهلك وشعبك!؟، لا تتذاكى علي يا أستاذ.
ماذا تريد أن تقول لهم هاا؟ أن حربكم اندلعت فجأة، كوحش كاسر خرج من جحيمه، ليدهس بأقدامه الغليظة أحلام البسطاء؟. ل
أنا: نعم حدث ذلك فجأةً، ولم نكن نملك شيئًا سوى قصصنا وضحكات أطفالنا التي كانت تملأ الأزقة، واليوم، لا نسمع سوى دوي المدافع وأصوات الأمهات الثكلى. لقد دفع المواطن البسيط الثمن كاملاً: ماله الذي جمعه بعرق جبينه، وعرضه الذي صانه بروحه، ودمه الذي سال على تراب هذا الوطن الجريح… من نجا من الموت تحت القصف، وجد نفسه مطحونًا بين فكي كماشة…الموت جوعًا أو مرضًا.
القلم: لا صراحة بدأت أتشكك في قدراتك التحليلية أستاذ، لأن حربكم هذه قد أعدت لها جيشاً وعتاد مذ سنوات، ودفنت قنابلها تحت بنيات المدن نهاراً وأنظار العالم تراقب.
انا: ماذا تقول؟ اتريدني إعتزال الكتابة وأنا أرى الوجوه الشاحبة والأعين الغائرة التي فقدت بريقها، أجساد أنهكها الجوع والمرض، وأرواح سحقها الحزن واليأس. كل يوم يمر هو صراع جديد من أجل البقاء، رحلة محفوفة بالمخاطر بحثًا عن كسرة خبز أو قطرة ماء نظيفة.
والأدهى من ذلك كله، أن أرى السياسي اللئيم يقتات على آلامنا… يتخذ من دموعنا وجراحنا ورقة رابحة في لعبته القذرة، يتاجر بمعاناتنا ليصل إلى كرسي السلطة، ويبني مجده الشخصي على أنقاض بيوتنا وأحلامنا…يرقص على أشلائنا، ويقيم ولائمه الفاخرة بينما أطفالنا يموتون جوعًا.
القلم: أنا لا أدعوك لاعتزال الكتابة، فقط أنبهك… أريدك أن ترى بعيون صاحية، فليس كلما تسمع وتشاهد هي الحقيقة… وأنا لا احتمل سيلان مدادي في الهُراء… أكتب ما يستحق تضحياتي من أجل الحقيقة.
أنا: لا أكتب يا قلمي العزيز لأترفه، ولا لأني أملك حلاً، بل لأني أختنق. أكتب لأوثق هذه المأساة، لأحفظ في ذاكرة التاريخ صرخة شعب قُتل مرتين… مرة بيد الحرب، ومرة بيد من يدّعون أنهم قادته… وأنت هو سلاحي الوحيد، الذي أشهره في وجه هذا الظلام، علّ بصيص نور من كلمة صادقة يخترق جدار الصمت.