ضل الحراز: علي منصور حسب الله
في زمنٍ صار فيه الانحياز للحق تهمة والوطنية مرمىً للسهام خرجت بعض الأصوات من مدعي (المحايدة) ووضعت رجل الأعمال السوداني الوطني أزهري المبارك في مرمى هجومٍ شرس لا لشيء سوى لأنه قدّم دعمًا حقيقيًا في سبيل فك الحصار عن مدينة الفاشر التي كانت تختنق بسكاكين مليشيا لا تعرف للرحمة بابًا الرجل لم يشترِ سلاحًا ليتفاخر به ولم يدعم طرفًا ليُطيل أمد الحرب كما يدّعون بل قدّم 100 عربة قتالية مجهّزة وأربع وحدات طبية ميدانية لمساندة القوات التي تقاتل على الأرض دفاعًا عن ملايين الأرواح المحاصرة في الفاشر بينهم نساء وأطفال وشيوخ وشباب يُقتلون لمجرّد أنهم لم يرفعوا راية الجنجويد فهل أصبحت الغيرة على الدم السوداني (جريمة) في أعين المتباكين على (السلام) المزعوم؟ وهل صار تقديم الدعم لشعبك ووطنك جريمة حرب؟ بينما التواطؤ مع مليشيا تنحر المدن وتدفن أطفالها أحياءً هو (الحياد) في قاموسهم إنها دموع التماسيح حين تبكي غرف المليشيا، و(الحياديون) أن تبكي غرف الجنجويد على دعمٍ لم ينزل بردًا وسلامًا على مخطّطهم فهذا مفهوم إذ لم يألفوا أن ينهض أبناء الوطن الأحرار لمواجهتهم لكن الغريب والموجع في آنٍ واحد أن تُشاركهم بعض الأصوات (الرمادية) البكاء والعويل وتتقمّص دور المتألم على السلام بينما هي في حقيقتها امتداد ناعم لآلة الحرب تدّعي الحياد في العلن وتمنح المليشيا غطاءها في السر أين كانت هذه الأصوات يوم ارتكبت المليشيا مجازر الفاشر والجنينة ونيالا؟ ألم يسمعوا عن مجزرة صلاة الفجر في حي الدرجة بالفاشر التي راح ضحيتها أكثر من 75 مواطنًا وهم بين يدي الله؟ ألم تصلهم أنباء الشهيدة قسمة علي عمر التي تم تعليقها على جذع شجرة وتعذيبها حتى الموت؟ هل مرّ أمامهم خبر تصفية الشاب أحمد قندول فقط لأنه ينتمي إلى قبيلة لا تروق للجنجويد؟ لماذا لم نرَ دموعهم على هذه الجرائم؟ وصمتوا صمت القبور وقتها لماذا لم تُكتب المقالات وتتوالى الإدانات حين كانت المليشيا تسحل وتغتصب وتنهب وتحرق؟ في الهلالية والسريحة وقرية الأزرق وود النورة كانت الجرائم تُرتكب وتوثق بهواتفهم لكن كان الصمت هو سيد الموقف ولم نسمع لهم همسًا وهم يشاهدون دويلة الشر الإمارات تقدم دعماً غير مسبوق للمليشيا بالسلاح والطائرات المسيرة هل كان دعم أزهري المبارك لوطنه أكثر فظاعة من طائرات الإمارات المسيرة التي تمطر دارفور نارًا وصواريخ؟ وتقتل حتى المصليين في المساجد أما الحديث عن (إطالة أمد الحرب) فهنا الكيل قد فاض وكيل بميكالين هل سأل هؤلاء أنفسهم عن معنى أن تقاتل مليشيا الدعم السريع بجنود مرتزقة من أكثر من 20 دولة؟ من كولومبيا إلى سوريا ومن ليبيا إلى الصومال ومن أفريقيا الوسطى إلى جنوب السودان ومن تشاد إلى بونتلاند الصومالية جُل مرتزقة العالم اجتمعوا على جسد السودان ومع ذلك صمت (الحياديون) كأنّ الأمر لا يعنيهم وحين تساءلنا عن دور منظمات دولية عاملة في المجال الإنساني وقد تحوّلت إلى غطاء لوجستي لنقل المؤن العسكرية عبر معبر أدري الحدودي لم نجد من هؤلاء من رفع حاجب الدهشة أو نطق بكلمة استنكار لماذا لم نسمع استهجانًا حيال مطار أم جرس في تشاد أو بيراو في إفريقيا الوسطى أو مطار وميناء بصاصو في الصومال؟ وقد تحوّلت جميعها إلى منصّات عبور للمرتزقة والسلاح تُنقل عبرها أدوات القتل والتدمير إلى مليشيا تمتهن القتل كهوية لماذا لم تُستنكر هذه التدخلات الفاضحة من قبل قوى إقليمية هدفها الوحيد هو تمزيق السودان وإضعاف جيشه الوطني؟أحلال على الطير من كل جنس.. وحرام على وطني حر؟ مثل أزهري المبارك فمشكلة هؤلاء أنهم ينظرون للوطن بعيون الآخرين ويقيسون الوطنية بمزاج المنظمات فالوطنية عندهم ليست موقفًا بل قميصًا يُفصّل عند خياطهم المفضّل فحين يُقتل المرتزقة أبناء دارفور أو الجزيره أو أي موقع في السودان يكون الصمت سيد الموقف وحين تُقصف المساجد في الفاشر يهربون إلى شعارات (لا للحرب) وحين يُحاصر المواطن حتى في رغيف خبزه ودوائه لا يرفّ لهم جفن لكن حين يخرج رجل من بين الناس مثل أزهري المبارك وقد هزّه الألم وتحركه غيرته على الوطن فيبذل مما أعطاه الله لينقذ أرواحًا لا يعرفها، يرونه (مجرم حرب) و(داعماً للعنف) أيُّ منطق هذا؟ أيُّ حيادٍ بائس يُبيح لهم الوقوف على ضفاف المأساة يدينون الضحية ويصفّقون للجلاد؟ أيُّ ضمير إنساني يُنكر على أبناء السودان أن يذودوا عن وطنهم بينما يفتح أبوابه للغزاة والمرتزقة والدول التي تبني مجدها على خراب بلادنا؟ نقولها واضحة من دعم صمود الفاشر يستحق الاحترام لا التجريح من قدّم المال والعتاد والدواء لأجل أن يُفك الحصار عن أهلنا فهو وطني لا يُزايد عليه وأن تُستهدفه الحملة بهذه الشراسة فذلك يؤكد أن ما فعله قد أصاب (العدو) في مقتل وأربك حساباته وأما أن يتماهى بعض من يدّعون الحياد مع غرف الدعاية الجنجويدية فذلك سقوط أخلاقي وانكشاف مبكر لأقنعة الزيف إنّنا لا نحمل إلا التقدير لكل من وقف مع وطنه في هذه المحنة مهما كان موقعه أو قدرته فهذه معركة بقاء لا مجال فيها للمناورات اللفظية أو المواقف الرمادية السودان اليوم لا يحتاج إلى (حياد النفاق) بل إلى مواقف رجولية تضع الأمور في نصابها وتقف مع الحق في وجه الباطل