ضل الحراز: علي منصور حسب الله
في خضمّ التحولات السياسية المعقدة التي تمر بها البلاد وفي وقت تشتد فيه الحاجة إلى قيادات تمتلك الحكمة والحنكة والخبرة التنفيذية المتراكمة تبرز شخصيات وطنية أثبتت في أكثر من موقع أنها أهل للثقة ومحلّ للرؤية والبصيرة من بين هؤلاء يأتي اسم محمد بشير أبو نمو الوزير السابق للمعادن ورئيس الوفد الحكومي لمشاورات جدة مع الجانب الأميركي تمهيداً لمفاوضات جنيف أبو نمو ليس مجرد مسؤول سابق تقلّد حقيبة وزارية وانتهى دوره بانتهاء فترته بل هو رجل دولة حقيقي كما يعرفه من عملوا معه أو تابعوا أداءه في الملفات التي أوكلت إليه رجل عرفته المنصات الدولية والإقليمية وجالس مفاوضين من طراز رفيع ونجح في تمثيل السودان بصوتٍ وطني هادئ وعميق ومتزن بعيدًا عن الشعارات الرنانة أو التنازلات الهشة
وفي وزارة المعادن قاد أبو نمو إصلاحات مهمة في واحد من أكثر القطاعات حساسية وتأثيرًا على الاقتصاد الوطني لم يكن الملف سهلاً في ظل التحديات المرتبطة بتهريب الذهب وتداخل النفوذ المحلي والدولي ومشكلات الحوكمة والشفافية ومع ذلك مضى الرجل في طريق الإصلاح رافعًا شعار السيادة الوطنية والعدالة في توزيع الموارد والتنمية المستدامة للمجتمعات المحلية المتأثرة بعمليات التعدين واعتمد في إدارته على التخطيط العلمي وفتح قنوات للحوار مع المستثمرين المحليين والأجانب وعمل على تنظيم القطاع وتحسين البيئة التشريعية وعلى الرغم من العقبات الكثيرة فإن الرجل ترك بصمة واضحة لا يمكن إنكارها يشهد بها الخبراء والعاملون في القطاع وتجلّت قدرات أبو نمو السياسية والدبلوماسية مؤخرًا من خلال رئاسته للوفد الحكومي في مشاورات جدة مع الجانب الأميركي وهي محطة مفصلية في مسار الحل السياسي في السودان وتمهيد لمفاوضات جنيف خلال هذه المشاورات أظهر أبو نمو فهمًا عميقًا لتعقيدات المرحلة وحرصًا على المصلحة الوطنية ووعيًا دقيقًا بالتوازنات الإقليمية والدولية لقد أدار حواراته بقدر كبير من الاحتراف والمسؤولية مستندًا إلى رؤية سياسية واقعية وبُعد نظر يحفظ للسودان مكانته دون تفريط أو اندفاع من المعروف أن حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي تنتهج سياسة (المداورة) في توزيع المناصب بين كوادرها وهي سياسة قد تبدو مفيدة من حيث خلق قيادات متنوعة وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الكوادر إلا أن الإفراط في المداورة على حساب الكفاءة والخبرة قد يحرم الدولة من كوادر في قامة محمد بشير أبو نمو
وللأسف فإن هذه السياسة وإن كانت داخلية في الحركة فإن انعكاساتها تطال الأداء التنفيذي والسياسي للدولة وقد أفضت إلى خروج رجل بقيمة وخبرة أبو نمو من دائرة الفعل الحكومي في وقت نحن فيه أحوج ما نكون لأمثاله فليس من الحكمة في هذه المرحلة الحرجة أن نسمح بخروج الكفاءات الوطنية من المشهد لمجرد انتهاء دورة سياسية أو حزبية إن أمثال محمد بشير أبو نمو ينبغي أن يُستثمروا في الملفات التي تحتاج إلى شخصية قيادية متزنة ذات خبرة تراكمية وقادرة على إدارة الأزمات بحنكة وهدوء.
سواء في مجال الملف الاقتصادي أو الحوار السياسي الوطني أو حتى العلاقات الخارجية فإن لأبي نمو دورًا يمكن أن يلعبه باقتدار وبما يعزز من فرص الوصول إلى حلول حقيقية ومستدامة لمشكلات البلاد المتراكمة في النهاية فإن معركة بناء الدولة السودانية الحديثة ليست معركة شعارات بل معركة كفاءات وقدرات وتجارب وكلما أحسنا توظيف خبرات أمثال محمد بشير أبو نمو اقتربنا أكثر من برّ الأمان فليكن تكريم القامات الوطنية هو بتكليفها بمهام تناسبها لا بإقصائها من المشهد