ضل الحراز: علي منصور حسب الله
في حوار مطوّل نشرته صحيفة (الكرامة) نجح الزميل الصحفي أشرف إبراهيم بحسه المهني وقراءته العميقة للمشهد السوداني في الحصول على إفادات مباشرة وغنية من الفريق مهندس أبوبكر حامد نور نائب رئيس حركة العدل والمساواة وأمين إقليم دارفور تكشف شهادات أبو بكر حقائق حاسمة عن معركة الفاشر المصيرية وتعطينا صورة واضحة عن صمود المدينة ومآلات المواجهة مع المليشيات الإجرامية حديث أبو بكر لم يكن عاديًا بل كان مرافعة وطنية صادقة تعبر عن صوت المقاومة الحقيقية ضد مشروع التخريب الذي تقوده المليشيا المعروفة بالدعم السريع. فهو يضع الإصبع على الجرح ويكشف عن حقائق عسكرية وإنسانية وسياسية ينبغي أن يعيها كل وطنٍ غيور تحدث الفريق المهندس أبو بكر عن تحول الفاشر من مدينة محاصرة تعيش مأساة إلى مدينة تصنع انتصارات متتالية أشار إلى أن (الفاشر شهدت قرابة 250 معركة كبيرة) في محيطها وأن الغلبة كانت لصالح القوات المدافعة الجيش الوطني مع القوات المشتركة والقيادات المجتمعية هذا الكم من المعارك يترجم إرادة شعبية ومقاومة مُنظَّمة ويفضح ادعاءات الانكسار التي تروج لها أدوات المليشيا وأبرزت إفادات أبو بكر أيضًا نجاح نسور الجو في (كسر الحصار الجوي) عبر عمليات إسقاط دقيقة وتدمير منظومات التشويش التي كانت المليشيا تستخدمها لقطع الإمداد وتعطيل العمليات الإنسانية هذه الإنجازات العملياتية وفق قوله لم تكن لتتحقق لولا تخطيط قيادي وتكامل جهد كل وحدات الجيش والقوات المساندة وهو ما أعاد الأمل لسكان المدينة وركّز عزيمة الناس على مواصلة الصمود وكشف أبو بكر زيف الحملات الإعلامية التي تروّج قربًا وهميًا للمليشيا من قيادة الفرقة أو مواقع استراتيجية داخل الفاشر أكد أن المليشيا (بعيدة تمامًا عن مقر الفرقة) وأن محاولات الاقتراب انتهت بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد والقيادات وصف الفاشر بأنها (مقبرة للمليشيا) وأن قادتها أصيبوا بهزائم استراتيجية أفقدتهم قدرتهم على الاستمرار كما لفت الانتباه إلى اللجوء إلى (الخطة ب) من قبل المليشيا بعد طردها من مراكز حيوية وهو دليل على فشل رهانها العسكري والمعنوي ولم يقتصر دعم الفاشر على الجهد العسكري فحسب بل امتد إلى مسارات إنسانية وقانونية واجتماعية أشار أبو بكر إلى تشكّل (اللجنة الوطنية لرفع الحصار عن الفاشر) التي ضمّت طيفًا واسعًا من المكونات السودانية ونجحت في تفعيل قنوات دعم مادية ومعنوية كبيرة من تحويلات مالية عبر التطبيقات البنكية إلى تبرعات مادية من رجال أعمال ودار زكاة ومبادرات مجتمعية محلية وعربية ودولية.
سردٌ مثل تبرع الشيخ أزهري المبارك بمئة (100) عربة قتالية مزوّدة بتسليحها ومساهمات فئات متعددة حتى الأطفال بتبرعاتهم الرمزية كل ذلك يؤكد وحدة الشعب السوداني وتضامنه مع الفاشر ويعكس رفضًا شعبيًا للحرمان والتطاول على كرامة المواطنين وانتقد أبو بكر المواقف الدولية والإقليمية المترددة واصفًا أن (المجتمع الدولي صامت أو متآمر) وذهب أبعد من ذلك في إدانته لبعض الجهات التي يرى أنها جزء من مؤامرة على وحدة السودان هذه الاتهامات لو قُيِّمت بمسؤولية تضع ضرورة توثيق الجرائم والانتهاكات أمام المحاكم المحلية والدولية في مقدمة أولويات المجتمع السوداني لضمان مساءلة عادلة ومنع إفلات المجرمين من العقاب وأوضح أبو بكر موقفًا حاسمًا لا لبس فيه أي حديث عن وقف الحرب قبل تفكيك المليشيا كمؤسسة إجرامية لا معنى له ومرفوض كليًا هذا المبدأ ليس مجرد موقف عسكري بل هو مطلب للحفاظ على الدولة والمؤسسات ومنع تكرار سيناريو الفوضى والاغتيالات والابتزاز المسلح فالتسويات التي تشرعن وجود تشكيلات مسلحة خارجة عن القانون تعني استمرارًا لانهيار الأمن وخرقًا لسيادة الدولة فما قاله الفريق مهندس أبوبكر حامد نور يجب أن يكون منطلقًا لسردية وطنية موحّدة سقوط الفاشر يعني سقوط دارفور وسقوط دارفور يعني تهديدًا لبقية أجزاء السودان لذا لا بد من توحيد الجهود السياسية والمجتمعية ودعم المؤسسة العسكرية الشرعية وتكثيف العمل الإنساني والقانوني لتوثيق الجرائم ومقاضاة مرتكبيها أبو بكر قدّم نموذج القائد الواثق الصادق الذي يعرف طبيعة المعركة ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار حديثه شهادة تاريخية ومرجعية يجب أن تتبنّاها قوى المجتمع المدني وقيادات الرأي لتجعل من صمود الفاشر نقطة انطلاق نحو استعادة الدولة وكرامة الشعب ندعو كل الإعلاميين والسياسيين والفعاليات الشعبية إلى السمع لصوت الفاشر وعدم التفريط في قضيتها والعمل المشترك لترسيخ الأمن وإرساء حكم القانون فالحفاظ على الفاشر اليوم هو حفظ لسودان الغد ما يميز خطاب الفريق أبوبكر حامد نور أنه لا يكتفي بسرد الوقائع العسكرية بل يربطها بمشروع وطني أشمل قائم على وعي عميق بطبيعة المؤامرة ومآلاتها إنه يدرك أن المعركة في الفاشر لا تُخاض فقط بالبندقية بل تُخاض أيضًا بالعقل والإعلام والإرادة الشعبية. فحين يسمي الأشياء بأسمائها كـ(دويلة الشر) و(الخطة ب) و(تفكيك المليشيا) فإنه يرفض اللغة الرمادية التي تساوي بين الجلاد والضحية هذا الخطاب يجب أن يُعتمد كبوصلة وطنية خاصة في لحظة يختلط فيها الحابل بالنابل وتُمارس فيها ضغوط دولية وإقليمية لتكريس أمر واقع يشرعن بقاء هذه المليشيا الخارجة عن القانون فالحرب كما يفهمها أبو بكر ليست رغبة ولا هواية بل اضطرار لحماية الوجود وصيانة لكرامة الأرض والإنسان والمقاومة هنا ليست فعلًا انفعاليًا بل دفاع مشروع عن مدن تُباد ونساء تُنتهك وأطفال يُقتلون وأرض تُدمر فلقد قدمت الفاشر وما تزال أنموذجًا لمدينة تقاوم بإيمانها ولشعب يتمسك بالأمل في أحلك الظروف لقد ظنت المليشيا أن بإمكانها إخضاع المدينة بالجوع فصمدت وبالقصف فصبرت وبالإشاعات فردّت بالحقائق من الميدان ولذلك فإن واجب الإعلام الوطني اليوم أن يسلط الضوء على هذه الملاحم وأن يكسر الحصار المعنوي الذي تفرضه الماكينات الإعلامية التابعة للمليشيا ومموليها كما أن واجب القوى السياسية ألا تنشغل بصراعاتها الضيقة بل أن توحّد خطابها خلف خيار واحد لا دولة مع المليشيا ولا كرامة مع المرتزقة ولا سيادة مع العملاءزيجب أن نتوقف عن التعاطي مع الفاشر كحدث هامشي في الحرب فهي ليست معركة موضعية بل جبهة حاسمة تحدد مصير السودان كله إذا سقطت الفاشر لا قدر الله فإن العدو سيشعر بأن بإمكانه إسقاط نيالا ثم الأبيض ثم كادقلي ثم ما تبقى من عواصم الهامش أما إذا صمدت وقد صمدت وستصمد فإن مشروع المليشيا سينهار وسينكشف ضعفها أمام صلابة المجتمع السوداني ولذا فإننا لا نخاطب هنا العسكريين فقط بل نخاطب كل سوداني حر: من فنانين وإعلاميين وكتاب ورجال دين وشباب ومنظمات مجتمع مدني أن يُحولوا دعمهم للفاشر من تضامن عاطفي إلى موقف عملي واضح دعم معنوي إعلامي وإنساني وقانوني وبكل وسيلة ممكنة لقد رسم الفريق أبوبكر حامد نور بصراحته ووضوحه معالم الطريق الذي ينبغي أن يسلكه كل من يؤمن بوحدة السودان واستقلاله وكرامته وما علينا إلا أن نترجم كلماته إلى أفعال وأن نحول نداءه إلى مشروع وطني جامع فالمعركة في الفاشر ليست النهاية لكنها قد تكون البداية الحقيقية لاستعادة السودان من خاطفيه وبناء وطن يتسع للجميع بعيدًا عن السلاح والارتزاق والتدخلات الأجنبية لتكن الفاشر عنوان عزتنا ولتكن دماء شهدائها أمانة في أعناقنا ولتكن كلمات أبوبكر حامد نور وثيقة وطنية نُسند عليها وعينا في زمن الضباب فالمجد للفاشر… والنصر للسودان والشكر لصديقي أشرف إبراهيم الصحفي الكبير والذي لا يحتاج مني لتقييم عمله