ضل الحراز : علي منصور حسب الله
في ظل أسوأ كارثة إنسانية يشهدها السودان منذ عقود تتكشف خيوط معقّدة تربط بين المال والدم بين السلطة والدمار بين مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة وحرب الإبادة المستعرة في السودان فبينما تُرتكب الفظائع بحق المدنيين العزّل وتُحاصر المدن بالجوع والموت يمرّ الذهب السوداني المُهرّب عبر طرق سرية إلى قلب دبي حيث يُغسل ويُباع في الأسواق العالمية مُشكّلًا الشريان الاقتصادي لآلة الحرب التي تقودها ميليشيا الدعم السريع تتكشف الحقيقة المُروّعة الإمارات ليست مجرد متفرج على النزاع السوداني بل لاعب مركزي في إدارته وتمويله عبر دعم عسكري مباشر للمليشيات وتسهيل شبكات تهريب الذهب والتلاعب بالنظام المالي الدولي لتبييض أموال الحروب وتشير التقارير الدولية والتحقيقات المستقلة إلى أن الإمارات أصبحت المستورد الرئيسي للذهب السوداني غير المشروع وهي تجارة تُقدَّر بمليارات الدولارات سنويًا ففي عام (2022) فقط استوردت الإمارات ما لا يقل عن (39) طنًا من الذهب السوداني بقيمة تتجاوز (2) مليار دولار فيما تُرجّح التقديرات أن الكمية الحقيقية التي دخلت سوق الذهب الإماراتي تجاوزت (60) طنًا بعد احتساب الذهب المُهرّب عبر تشاد وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وأوغندا ودول الجوار.
وتصف وزارة الخارجية الأمريكية الذهب السوداني بأنه (المصدر الرئيسي لتمويل النزاع) وهو ما يتقاطع مع بيانات الأمم المتحدة وتقارير منظمات مثل غلوبال ويتنس التي تكشف كيف يتم تبييض الذهب الدموي في أسواق دبي عبر شركات وهمية ومديرين صوريين وشبكات مالية مشبوهة الفضيحة لا تتوقف عند الذهب فالإمارات متهمة أيضًا بتزويد مليشيا الدعم السريع بالأسلحة في انتهاكٍ صريح لحظر السلاح ونعني به قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (1591) الخاص بمراقبة حظر الأسلحة في دارفور
وقرار حظر توريد الأسلحة في ليبيا وهي القرارات قرار مجلس الأمن (1970) (2011): الفقرة (9) وقرار مجلس الأمن (2009) (2011) الفقرة (13) وقرار مجلس الأمن (2095) (2013) الفقرتان (9) و (10) وقرار مجلس الأمن (2174) (2014) الفقرة (8) وتجاهلٍ كامل للقانون الدولي الإنساني ووفقًا لعدة مصادر تم تسليم الأسلحة عبر طائرات إماراتية أو عبر وسطاء في منطقة الساحل حيث تم رصد نشاط غير مشروع في موانئ ومطارات تحت سيطرة أبوظبي مثل أم جرس في تشاد وبيراو في إفريقيا الوسطى وبصاصو في بونتلاند الصومالية وفيما يواجه المدنيون في دارفور والمناطق الأخرى قصفًا عشوائيًا وجرائم تطهير عرقي تستعرض الميليشيات المسلحة بأسلحتها الجديدة المموّلة عبر الذهب المسروق والمبيّض في دبي ويبقى السؤال لماذا لا تُحاسب الإمارات؟
الإجابة المؤسفة تكمن في موقعها الاستراتيجي كحليف غربي ضد إيران وكمركز مالي ضخم ومشترٍ رئيسي للأسلحة الغربية ويبدو أن هذا الواقع يوفر لها حصانة غير مُعلنة رغم تورطها في تمويل الحروب في اليمن وليبيا والسودان وتأسيس قواعد عسكرية غير مشروعة في القرن الإفريقي مثال ذلك بناء مهبط طائرات جديد في جزيرة (عبد الكوري) بالقرب من جزيرة سقطرى التي تقع في خليج عدن في اليمن
كما أنشأت الإمارات منذ منتصف عام (2010) مرافق مماثلة في ثمانية بلدان هي اليمن وإريتريا وأرض الصومال وبونتلاند (أرض البنط) والصومال وتشاد وليبيا
مثل قاعدتي الجفرة والخادم الجويتين وقاعدة عصب العسكرية
وتهدف الإمارات من إنشاء تلك المواقع العسكرية في منطقة البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي إلى حماية مصالحها الاقتصادية والعسكرية
وحتى الآن لم تُفرض عقوبات دولية جادة ضد الإمارات على خلفية دورها في السودان رغم أن دولًا مثل الولايات المتحدة بدأت باتخاذ خطوات محدودة منها عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية في يونيو (2024) ضد سبع شركات تعمل في تهريب الذهب السوداني مثل شركة كابيتال تاب القابضة وشركة كابيتال تاب للاستشارات الإدارية وشركة كابيتال تاب للتجارة العامة وشركة كرييتف وكذلك شركات الزمرد والياقوت للذهب والمجوهرات والجيل القديم للتجارة العامة وهورايزون للحلول المتقدمة للتجارة العامة
وفي الوقت الذي تموّل فيه الإمارات الحرب والإبادة في السودان فإنها تنفق المليارات في تلميع صورتها عالميًا عبر ما يُعرف بـ (الغسيل الرياضي) ويتجسد ذلك من خلال تملك ورعاية فرق رياضية شهيرة ففي منشط كرة القدم تظهر أندية مثل مانشستر سيتي وأرسنال وإي سي ميلان وريال مدريد وغيرها وفي سباقات السيارات تظهر فورمولا (1) وفي الترويج لفنون القتال المختلطة تظهر (UFC) التي يقع مقرها في لاس فيغاس ونيفادا والمملوكة لشركة زوفا وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل لمجموعة إنديفر التي تُعد أكبر شركة ترويج للفنون القتالية المختلطة في العالم وقد أصبح هذا التناقض محور انتقادات حقوقية دولية حيث تُستخدم الرياضة كأداة لتبييض سجل حقوق الإنسان السيئ لدولة تورطت في دعم أنظمة قمعية وميليشيات قاتلة لقد آن الأوان للمشجعين والمؤسسات الرياضية واللاعبين أن يسألوا من أين يأتي المال الذي يرعى قمصانهم؟ واستنادًا إلى الحقائق المتراكمة بات لزامًا على المجتمع الدولي إعادة النظر في تصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة إن دعمها المستمر للمليشيات المسلحة وتورطها في تمويل الحرب في السودان وسجلها في إشعال النزاعات في ليبيا واليمن وإنشاء قواعد عسكرية دون إذن دولي وانخراطها في غسيل الذهب وتمويل الصراعات يشكل أرضية قانونية وأخلاقية كافية لتصنيفها كدولة راعية للإرهاب لكن ما العمل؟
إن وقف دوّامة الدم في السودان وإنقاذ الملايين من خطر المجاعة والقتل والتهجير يتطلب إجراءات جريئة وحاسمة ضد الجهات الداعمة للصراع وفي مقدمتها الإمارات لذلك يجب فرض عقوبات اقتصادية مباشرة وشاملة على الشركات الإماراتية المتورطة في تهريب الذهب ومراقبة القرارات حتى لا تعود تلك الشركات عبر التحايل بتغيير اسماءها ومديريها وسجل أصحابها ومنع بيع الأسلحة للإمارات إلى حين إثبات توقفها عن دعم مليشيا الدعم السريع وتفعيل الرقابة الدولية المستقلة على أسواق الذهب في دبي على غرار نموذج شهادة كيمبرلي في تجارة الماس والضغط الشعبي والرياضي والإعلامي لكشف الغسيل الرياضي وتواطؤ فرق كبرى في تلميع صورة دولة تموّل الإبادة وكشف شبكات الضغط والعلاقات العامة التي تستخدمها أبوظبي في واشنطن ولندن وبروكسل لتبييض صورتها فالإمارات اليوم ليست مجرد دولة تبحث عن النفوذ بل فاعل إقليمي خطير يتغذى على ضعف الدول ويدعم المليشيات ويشتري الصمت الدولي بالذهب والنفط والأسلحة والرياضة وإن تواطؤ المجتمع الدولي وصمته عن جرائم أبوظبي يشكل خيانة لأرواح الأبرياء في السودان الذين يدفعون الثمن يوميًا في مخيمات النزوح وفي أطراف المدن المنكوبة وفي الصحارى المحترقة
لقد آن الأوان لمواجهة الحقيقة ويقول العالم بصوت واحد أبوظبي راعية للإرهاب وسارقة لموارد الشعوب وطامعة في موانئ الدول وسواحلها ولا بد من التحرك قبل أن تلتهم النيران بلدانًا أخرى