تقرير: دارفور الآن
في ظل الصراع المستمر في السودان بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع المدعومة من بعض الأطراف الإقليمية خاصة الإمارات يعاني الصحفيون والإعلاميون من هجمات شرسة ومستمرة هذه الهجمات لم تكن مجرد اعتداءات فردية بل تمثل حملة ممنهجة تهدف إلى إسكات الصحافة الحرة والمستقلة في البلاد الصحفيون السودانيون يواجهون تهديدات بالقتل اعتقالات تعسفية وتعذيب واستهداف مباشر لعملهم المهني مما يهدد بشكل خطير حرية الإعلام في السودان وقد أدانت العديد من المنظمات الدولية مثل الاتحاد الدولي للصحفيين ولجنة حماية الصحفيين (CPJ) والمديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي هذه الانتهاكات معتبرة إياها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وداعية إلى محاسبة المسؤولين عنها بشكل عاجل.
الانتهاكات ضد الصحفيين في مدينة الفاشر
من بين أكثر الانتهاكات الوحشية التي وثقتها المنظمات الدولية كانت الاعتداءات الجنسية على الصحفيات في مدينة الفاشر شمال دارفور التي أصبحت واحدة من النقاط الساخنة في النزاع السوداني تعرضت العديد من الصحفيات للاعتداءات الجنسية من قبل أفراد من مليشيا الدعم السريع ما يُعتبر انتهاكًا فاضحًا لقواعد القانون الدولي التي تحظر استهداف المدنيين ومن بينهم الصحفيون أثناء النزاعات المسلحة هذه الجرائم تمثل جزءًا من حملة من العنف الممنهج ضد الإعلاميين الذين يعرضون حياتهم للخطر في سبيل نقل الحقائق حول ما يحدث في مناطق النزاع
تستهدف هذه الهجمات بشكل خاص الصحفيات حيث تمثل النساء في الإعلام فئة مستهدفة بشكل أكبر في بعض الحالات هذا الهجوم المتكرر على الصحفيات يعكس عنفًا موجهًا ضد الصوت النسائي في الصحافة السودانية ويهدف إلى تكميم أفواه الإعلام المستقل
إلى جانب الاعتداءات الجنسية تم توثيق العديد من حالات الاختطاف والاعتقال التعسفي للصحفيين في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع مما يعقّد عمل الإعلاميين في هذه المناطق الصحفيون في هذه المناطق يعيشون تحت تهديد دائم مما يجعل نقل الحقيقة أمرًا شبه مستحيل في بعض الحالات
حالات اعتقال الصحفيين
تزايدت حالات اعتقال الصحفيين في مناطق النزاع بشكل مقلق مع استمرار مليشيا الدعم السريع في استهداف الإعلاميين بشكل منهجي معمر إبراهيم مراسل قناة الجزيرة مباشر هو أحد الصحفيين الذين تعرضوا للاعتقال التعسفي لا يزال معمر محتجزًا في ظروف قاسية دون مسوغات قانونية ويتعرض للتعذيب والتنكيل بناءً على اتهامات واهية
من جهة أخرى ظهر الصحفي معمر إبراهيم في مقطع مصوّر داخل مكتب الناطق الرسمي باسم مليشيا الدعم السريع بمدينة نيالا بعد تضارب الأنباء حول مصيره وهو ما شكل دليلًا قاطعًا على احتجازه داخل مقار المليشيا خلافًا لتصريحات سابقة نفت فيها المليشيا علمها بمكانه في الفيديو أوضح الناطق الرسمي باسم المليشيا أن سبب اعتقاله يعود إلى منشورات نشرها على فيسبوك وصف فيها الدعم السريع بـ(المليشيا) و(الجنجويد) وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا للحرية الشخصية وحرية التعبير كما تم اقتياد يوسف البشير موسى عبد المالك من منزله في مدينة نيالا وتم نقله بين المعتقلات رغم معاناته من إعاقة جسدية وحالة صحية متدهورة ورغم تدخل منظمة الصليب الأحمر التي طالبت بالإفراج عنه لا يزال يوسف محتجزًا في سجن دقريس في نيالا
أما في ولاية شمال دارفور فقد تم اختطاف عصام الدين محمد هارون جراد المدير العام للهيئة الولائية للإذاعة والتلفزيون أثناء تجواله في مدينة الفاشر ولا يزال مصيره مجهولًا حتى الآن في ولاية وسط دارفور تم اعتقال الإعلامي مصطفى فضل المولى المدير العام السابق لإذاعة زالنجي حيث داهمت مليشيا الدعم السريع مقر سكنه في مدينة زالنجي واقتادته إلى مكان مجهول ومن ثم نُقل إلى سجن دقريس في مدينة نيالا كما تم اعتقال الرشيد محمد هارون جراد، مدير محطة (دارفور 90.3) في مدينة الجنينة في يوليو 2024 ولا يزال محتجزًا في سجن دقريس في نيالا طوال فترة احتجازه مُنعت أسرته من زيارته أو معرفة وضعه الصحي
مقتل الصحفيين في الفاشر
في سياق متصل أصبحت عمليات مقتل الصحفيين في السودان سمة مميزة للاستهداف المستمر للإعلاميين في 4 أكتوبر 2023 قُتل الصحفي النور سليمان النور نتيجة لهجوم بالطائرات المسيَّرة من قبل مليشيا الدعم السريع على مقر إقامته في الفاشر كان النور سليمان يعمل كمراسل لإذاعة السلام في محلية المالحة ثم في الفاشر وكان له دور بارز في تقديم تغطية إعلامية شاملة للأحداث التي تجري في دارفور هذا الهجوم على الصحفي النور يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي حيث كان الصحفي في مهمة إعلامية ويُعتبر بموجب الاتفاقيات الدولية (مدنيًا) يجب أن يتمتع بحماية خاصة ويعد النور سليمان سادس صحفي يُقتل في السودان منذ بداية العام 2023 وهو مؤشر على تصاعد استهداف الإعلاميين في البلاد كما يأتي مقتل الصحفي مبارك موسى المعروف بـ(مبارك أبو سن) في أكتوبر 2024 في الفاشر ليزيد من القلق الدولي بشأن الهجمات المستمرة ضد الصحفيين أيضًا قُتل الصحفي أحمد محمد صالح سيدنا في 14 أبريل 2025 بمدينة الفاشر بعد سقوط قذيفة على منزله أطلقتها مليشيا الدعم السريع كان سيدنا معروفًا في ميدان الإنتاج الدرامي والإخراج ويُعتبر من الصحفيين البارزين في مجال الإعلام المحلي وهو ما يجعل مقتلهم يشكل صدمة إضافية في سجل الانتهاكات ضد الصحفيين في السودان
الموقف الدولي والدعوات إلى التحرك
أدانت المنظمات الدولية بما في ذلك الاتحاد الدولي للصحفيين ولجنة حماية الصحفيين (CPJ)
كما أدانت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي
هذه الانتهاكات بأشد العبارات وأكد الاتحاد الدولي للصحفيين أن هذه الأعمال تشكل جرائم حرب بموجب القانون الدولي الإنساني مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف هذه الانتهاكات وحماية الصحفيين كما أشار الاتحاد إلى أن هذه الهجمات لا تؤثر فقط على حرية الصحافة بل تساهم في تعزيز دائرة العنف والإرهاب ضد أولئك الذين يسعون للكشف عن الحقائق وتوثيق الأحداث من جانبها طالبت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) المجتمع الدولي بتقديم دعم عاجل لحماية الصحفيين في السودان ووقف الهجوم المنهجي على الإعلاميين في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع. وأكدت اللجنة أن هذه الهجمات لا تمثل تهديدًا للصحفيين فقط بل هي محاولة لتكميم الأفواه ومنع الإعلام من نقل الأحداث بشكل حيادي ومستقل
كما طالبت أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو بإجراء تحقيق معمَّق وشفاف وجددت دعوتها إلى الامتثال للقرار 2222 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمعتمد بالإجماع في عام 2015 بشأن حماية الصحفيين والمهنيين العاملين في وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بوسائل الإعلام الذين يغطون النزاعات باعتبارهم مدنيين وقد أعيد تأكيد هذا الوضع مؤخراً في ميثاق المستقبل للأمم المتحدة.
القانون الدولي وحقوق الصحفيين أثناء النزاعات
وفقًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف يتمتع الصحفيون العاملون في مناطق النزاع بحماية خاصة يُعتبر الصحفيون في المناطق العسكرية والمدنية مدنيين ولا يجوز استهدافهم أو تعريضهم للاعتقال التعسفي الاعتداء الجسدي أو القتل في هذا السياق يجب أن تتمتع جميع الأطراف المتنازعة بواجب احترام حرية الإعلام وحماية الصحفيين من الأذى، خاصة عند تغطية النزاعات المسلحة
دعوات للإفراج الفوري عن الصحفيين المعتقلين
جاءت الدعوات من المنظمات الدولية والمحلية للإفراج الفوري عن الصحفيين المعتقلين ومن بينهم الصحفي معمر إبراهيم، الذي يعاني من التعذيب في سجون مليشيا الدعم السريع كما طالبت هذه المنظمات بضرورة فتح تحقيقات محايدة ومستقلة حول الانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين بما في ذلك حالات الاغتصاب الاعتقال التعسفي والقتل مع محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم
التحديات التي تواجه الصحافة السودانية
في ظل الحرب والاضطراب الأمني يجد الصحفيون في السودان أنفسهم في مواجهة تحديات كبيرة. من أبرز هذه التحديات هو التهديد بالقتل الاعتقال التعسفي والرقابة المفروضة على وسائل الإعلام يضطر العديد من الصحفيين للعمل في ظروف غير آمنة، مما يعرضهم للخطر المباشر وفي ظل غياب الحماية القانونية والدعم الدولي فإن الصحافة السودانية تزداد تدهورًا ويُخشى أن يؤدي استمرار هذا الواقع إلى انهيار شبه كامل لحرية الصحافة في البلاد فالعديد من الصحفيين اضطروا إلى مغادرة مناطق النزاع أو حتى مغادرة السودان بالكامل بعد تلقيهم تهديدات مباشرة بالقتل من قبل عناصر مليشيا الدعم السريع أو من جهات موالية لها كما تم إغلاق عدد من المؤسسات الإعلامية المحلية في دارفور والخرطوم بسبب استهداف مقارها بالقصف أو النهب أو التدمير المتعمد وتواجه الصحافة السودانية أيضًا أزمة بنيوية في بيئة العمل الإعلامي حيث باتت وسائل الإعلام الوطنية تعمل في ظروف قاسية تفتقر فيها إلى الموارد والاتصال والدعم التقني وأدى انقطاع الاتصالات المتكرر والانهيار الجزئي للبنية التحتية إلى تعطيل عمل الصحفيين الميدانيين ما جعل من نقل الحقيقة تحديًا كبيرًا إضافة إلى ذلك تفرض المليشيا رقابة مشددة على الصحافة المحلية وتمنع تداول التقارير التي توثق جرائمها ضد المدنيين ما أدى إلى إفراغ المشهد الإعلامي من الأصوات المستقلة
موقف المجتمع الصحفي السوداني
رغم هذه الظروف القاسية يواصل الصحفيون السودانيون نضالهم المهني بشجاعة فقد أصدرت شبكة الصحفيين السودانيين رابطة صحافيي وإعلاميي كردفان ودارفور والإتحاد العام للصحفيين السودانيين وعدد من النقابات الإعلامية المحلية بيانات متكررة تُدين الاعتداءات على الصحفيين وتطالب المجتمع الدولي بزيادة الضغط على قيادة مليشيا الدعم السريع للإفراج عن الصحفيين المعتقلين
كما دعوا إلى تشكيل آلية دولية مستقلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين والإعلاميين، مؤكدة أن الإفلات من العقاب يشجع على استمرار هذه الانتهاكات وأشارت مصادر من داخل الوسط الصحفي إلى أن ما يجري في دارفور والخرطوم والجزيرة يمثل أكبر موجة قمع إعلامي في تاريخ السودان الحديث حيث تم تدمير مقرات إذاعات محلية ونهب معدات تصوير وأجهزة بث وتهجير عشرات الصحفيين قسرًا من مناطقهم
ردود الفعل الإقليمية والدولية
إقليميًا أبدى اتحاد الصحفيين العرب قلقه البالغ من تدهور الوضع الإعلامي في السودان داعيًا إلى حماية الصحفيين باعتبارهم شهودًا على الحقيقة لا أطرافًا في النزاع كما أدانت منظمة العفو الدولية (أمنستي) وهيومن رايتس ووتش سلسلة الاعتقالات والاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون وطالبتا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي عاجل حول استهداف الإعلاميين في السودان أما مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان فقد دعا في بيان حديث إلى وقف الهجمات الممنهجة ضد الإعلاميين محذرًا من أن استمرار هذه الانتهاكات قد يؤدي إلى إسكات المجتمع المدني بأكمله ويحول السودان إلى (منطقة معزولة عن الحقيقة)
في المقابل يواصل مجلس الأمن مناقشة آليات لمساءلة المتورطين في الجرائم ضد المدنيين والصحفيين وسط دعوات متزايدة من دول غربية لتوسيع العقوبات لتشمل القيادات العسكرية المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
القانون الدولي والعدالة المنتظرة
يؤكد خبراء القانون الدولي أن استهداف الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة يُعد جريمة حرب بموجب المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 والتي تنص على أن الصحفيين المدنيين العاملين في مناطق النزاع يتمتعون بنفس الحماية الممنوحة للمدنيين ويُحظر استهدافهم أو احتجازهم تعسفًا
كما تنص اتفاقية روما الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية على أن (الهجمات المتعمدة ضد المدنيين بمن فيهم الصحفيون تشكل جريمة حرب تستوجب المساءلة الفردية)
وبناء على ذلك فإن الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع ضد الصحفيين يمكن أن تخضع للولاية القضائية الدولية خصوصًا إذا ثبت أنها جزء من سياسة ممنهجة لاستهداف الإعلاميين وحرية الصحافة
أهمية التحرك الدولي والإقليمي
تؤكد المنظمات الحقوقية أن الصمت الدولي تجاه الانتهاكات في السودان يُعد تواطؤًا ضمنيًا مع الجناة فاستمرار احتجاز الصحفيين وتعذيبهم دون رد فعل قوي من المجتمع الدولي يشجع المليشيا على مواصلة جرائمها هناك مطالب متزايدة بفرض عقوبات محددة ضد قادة مليشيا الدعم السريع المسؤولين عن هذه الجرائم إضافة إلى إنشاء صندوق دعم لحماية الصحفيين السودانيين وتمكينهم من مواصلة عملهم من خارج مناطق النزاع كما دعت منظمات الإعلام العالمية إلى إدراج السودان ضمن قائمة الدول الأخطر على الصحفيين لعام 2025
خاتمة
الاستهداف الممنهج للصحفيين في السودان من قبل مليشيا الدعم السريع ليس مجرد انتهاك لحقوق الأفراد بل هو محاولة منظمة لخنق الحقيقة وإخماد صوت الشعب السوداني إن ما يجري اليوم من اعتقالات وتعذيب واغتيالات لرموز الإعلام السوداني يمثل جريمة بحق حرية الكلمة والإنسانية جمعاء وفي ظل غياب الحماية القانونية الفعالة من الدولة وتقصير المجتمع الدولي تبقى حرية الإعلام في السودان في مهب الريح بينما يدفع الصحفيون ثمن التزامهم بواجبهم المهني ووطنيّتهم إن الدعوات الدولية المتكررة لحماية الصحفيين يجب أن تتحول إلى إجراءات عملية ملزمة، تشمل المحاسبة والعقوبات وتوثيق الجرائم ودعم الإعلام المستقل
فبدون صحافة حرة لن يكون هناك وعي وبدون وعي لن تكون هناك عدالة أو سلام في السودان







