تقرير – عبدالعظيم البشرى
أصدر القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الأحد، قرارًا يقضي بإخضاع جميع التشكيلات العسكرية المساندة للجيش في حربه ضد مليشيا الدعم السريع، لقانون القوات المسلحة السودانية، لتعمل تحت إمرة الجيش وتخضع لأحكامه بشكل مباشر. القرار الذي دخل حيّز التنفيذ ابتداءً من 16 أغسطس 2025، أثار جدلًا واسعًا في الأوساط العسكرية والسياسية، باعتباره خطوة جديدة نحو إعادة تنظيم ميدان القتال وتوحيد القيادة.
التشكيلات المساندة للجيش:
ورغم أن نص القرار لم يحدد أسماء تلك القوات، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى أن عدة تشكيلات تقاتل مع الجيش منذ اندلاع الحرب ضد الدعم السريع. وتشمل هذه التشكيلات: القوة المشتركة لحركات دارفور الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، قوات الجيش الشعبي التابعة لمالك عقار، قوات درع السودان، فيلق البراء بن مالك، بالإضافة إلى المقاومة الشعبية والمستنفرين الذين انخرطوا في القتال دفاعًا عن المدن والقرى.
المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبد الله، أوضح في بيان صحفي أن القرار يأتي لتأكيد سيادة حكم القانون وإحكام القيادة والسيطرة على كافة التشكيلات العسكرية التي تحمل السلاح، مشددًا على أن القوات المساندة لن تبقى خارج إطار الضبط العسكري بعد الآن.
نص القرار والإطار القانوني:
وجاء في نص القرار أن “جميع القوات المساندة العاملة مع الجيش، وأي تشكيلات مسلحة تحمل السلاح في مواجهة التمرد، تُخضع بكاملها لأحكام قانون القوات المسلحة السودانية لسنة 2007 وتعديلاته”.
قانون القوات المسلحة، الذي استند إليه القرار، يتضمن عقوبات صارمة بحق من يرفض تنفيذ الأوامر العسكرية، تبدأ بالسجن لسنوات طويلة وقد تصل إلى الإعدام في حال تعريض العمليات للخطر أو مساعدة العدو. كما ينص على عقوبات قاسية بحق من يتخلى عن مواقعه أو يهرب من المعركة أو يتعامل مع الخصم بأي شكل من الأشكال.
الخبير القانوني الدكتور مصطفى إبراهيم أوضح في تصريح لـ”دارفور الآن” أن القرار لم ينشئ نصوصًا جديدة، بل استند إلى مواد قائمة مسبقًا. وقال: “المادة (4) من القانون تُخضع كل من يحمل السلاح لقانون القوات المسلحة، والمادة (6) تمنح القائد العام سلطة تنظيم وتوجيه كل القوات، فيما تلزم المادة (13) جميع الأفراد بالانضباط العسكري. وبالتالي فإن القرار بمثابة تأكيد وتنفيذ لما هو منصوص عليه أصلًا.”
دوافع القرار:
وحول دوافع إصدار القرار، أشار إبراهيم إلى أن جميع القوات التي تقاتل إلى جانب الجيش تعتبر بموجب قانون خدمة الاحتياط لسنة 2013 جزءًا من قوات الاحتياط، وبالتالي فهي خاضعة أصلًا لقانون الجيش. وأضاف أن القرار جاء ليضع حدًا للتفلتات الأمنية والنزاعات التي بدأت تظهر بين بعض المجموعات المسلحة حول الغنائم والأسلحة والمركبات المصادرة من مليشيا الدعم السريع.
كما أكد أن القرار يهدف إلى توحيد القيادة تحت سلطة واحدة، بما يضمن الانضباط وتطبيق القانون على أي انتهاكات يرتكبها المستنفرون أو أفراد الحركات المسلحة. وأوضح أن النصوص القانونية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني – مثل حماية المدنيين والمنشآت والتعامل مع الأسرى – ستطبق على كل المقاتلين بلا استثناء، ما يشكل ضابطًا مهمًا لمسار العمليات المقبلة.
الخبير القانوني اعتبر أيضًا أن القرار يمثل جزءًا من استراتيجية عسكرية جديدة، تستعد بها القوات المسلحة لمعركة مختلفة في كردفان ودارفور، وهي معارك مفتوحة وواسعة النطاق، تحتاج إلى قيادة موحدة وانضباط صارم على كل المستويات.
إنهاء ازدواجية القيادة:
يرى مراقبون أن الخطوة تعكس حرص القيادة العسكرية على إنهاء ازدواجية القرار في الميدان، حيث كانت بعض التشكيلات المساندة تعمل وفق ولاءات متفرقة أو ترتيبات غير واضحة، الأمر الذي قد يعيق سير العمليات. وبموجب القرار، تصبح كل القوات تحت إمرة القائد العام، ما يجعل الجيش الطرف الوحيد المخوّل بتنظيم المعارك واتخاذ القرارات الحاسمة.
الدكتور مصطفى إبراهيم شدد على أن “القرار ليس مجرد إجراء إداري بل خطوة استراتيجية ترسخ مبدأ الجيش المحترف الذي يقود المعركة بيد واحدة وقانون واحد”.
موقف الحركات المسلحة:
في أول تعليق من أحد قادة الكفاح المسلح بدارفور، أكد إدريس لقمة القيادي بحركة العدل والمساواة أن القرار لا يستهدف القوات الموقعة على اتفاقيات السلام. وقال في تدوينة على صفحته بفيسبوك: “القوات الموقعة على اتفاقيات السلام لديها مرجعياتها القانونية وترتبط ببرنامج الترتيبات الأمنية، وقراراتها محكومة بنصوص الاتفاق التي تسود على الوثيقة الدستورية حال وجود تعارض.”
وأضاف لقمة أن المقصود من القرار هو القوات الخارجة عن هذه الاتفاقيات مثل قوات درع السودان، وقوات البراؤون، وتشكيلات المقاومة الشعبية، موضحًا أن الجيش يسعى إلى تنظيم هذه القوات حتى لا تتحول إلى مصدر تفلتات أمنية.
وأشار إلى أن تنفيذ بنود الدمج والتسريح في المستقبل سيخضع هذه القوات بشكل كامل لنصوص وقوانين القوات المسلحة السودانية، مؤكدًا أن الحركات الموقعة على السلام ستظل ملتزمة بالاتفاقيات المبرمة مع الدولة.
دلالات القرار:
يمثل القرار – بحسب محللين عسكريين – خطوة فارقة في مسار الحرب السودانية، إذ يضع حدًا لحالة التداخل بين الجيش والقوات المساندة، ويؤسس لمرحلة جديدة من الانضباط العسكري. كما يكشف عن إدراك القيادة العسكرية لضرورة التحول من حالة التعبئة العامة والمقاومة الشعبية إلى تنظيم قانوني صارم يحدد المسؤوليات ويحاسب على الانتهاكات.
ويرى مراقبون أن القرار قد يسهم في تعزيز صورة الجيش كمؤسسة وطنية محترفة أمام المجتمع الدولي، خصوصًا في ظل الاتهامات المتكررة حول الانتهاكات التي رافقت الحرب. كما أنه يبعث برسالة قوية بأن كل من يقاتل تحت راية الجيش سيكون خاضعًا للقانون ولن يُستثنى من المحاسبة.