تقرير: علي منصور حسب الله
إنَّ قبيلة المسيرية اليوم في تحالفها مع مليشيا الدعم السريع تعيش مأساة مستمرة فقد قدمت العديد من التضحيات على مدار الصراع وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن التقدير السياسي والعسكري لتلك التضحيات يتناسب مع حجم المعاناة التي تعرض لها أبناء القبيلة. هذا التهميش الذي اتخذ أبعادًا استراتيجية عميقة، قوبل به الغضب والرفض من قبل أبناء المسيرية الذين أصبحوا يشككون في جدوى تحالفاتهم العسكرية والسياسية
خسائر متتالية في صفوف القيادات
فقدت القبيلة العديد من قياداتها الميدانية البارزة خلال المعارك التي خاضتها مع مليشيا الدعم السريع في غرب السودان. من بين القادة الذين سقطوا في تلك المعارك حيث سقط عدد من القادة الذين يُعتبرون العمود الفقري لهيكل القيادة الميدانية المعروفة بـ(عقداء الشوشة) الذين يمثلون القادة العسكريين الميدانيين للقبيلة
من بين أبرز القادة الذين سقطوا القائد ماكن الصادق محمد الطالب قائد بارز في كردفان قُتل أثناء محاولة فاشلة لإنقاذ مجموعته المحاصرة قرب كازقيل (45 كم جنوب الأبيض باتجاه الدبيبات) والقائد إسماعيل الفيوك، قائد المجموعة (43) سقط في نفس المحور والقائد عيسى فولجنق قائد المجموعة (13) الذي خلف شقيقه التاج فولجنق ولحق به في ميدان المعركة والقائد حاتم موسى القائد العام لعمليات كردفان وقائد متحرك (لواء الأسود) والقائد عمر إسماعيل علي والقائد حمدين صلاح والقائد عبد الرحمن حمدين والقائد حمدان الضواي والقائد أحمد خميس دكوم والقائد الغالي رحمة الله والقائد النزير لنجي والقائد صدقي جقود والقائد عبد الله جرمة والقائد يوسف سعد الله والقائد قيدوم حامدين هنو قيدوم والقائد محمد عبد الله الكاس والقائد النقيب خلا عبد الرحمن محمد عطش (قائد المجموعة 393) والقائد محمد عبد الله قائد المجموعة (36) والقائد الجنرال عبد القادر قائد المجموعة (307) والقائد الجنرال عمر قرنوف قائد المجموعة (36) والقائد خليل أصيل أحد أبرز القادة الميدانيين اللواء أبو جنزير قائد المحور الغربي والعميد خلا الناعم قائد محور الجنينة تودع 10 من شبابها الذي قتل في أم كريدم والجنرال بوكلن
والقائد تاج الدين جريح
والجنرال حنفي علي
والجنرال حرابه والقائد محمد زين والقائد محمد ادم تقمه والقائد التاج حسن عجينه والقائد علي قرجي والقائد مسعود التركي والقائد حسين ود العاز والقائد ادم يونس والقائد علي يونس والقائد يحي نورين تولي قيادة المجموعة 13 مجموعة التاج فولجنق
والقائد محمد الوزير قائد المجموعة 4 والقائد علي الجالي والقائد موسى التاتة والقائد حسن حسین والقائد محمد مصطفی والقائد احمد ابليفتة والقائد عثمان السوفيتي والقائد بشير احمد أبوبكر والقائد عدنان طاهر دود والقائد فضل الله محمد خليل
والقائد بشير أحمد والقائد مختار احمد الخلیل وعشرة من أبناء الجنينة من بينهم القائد مجاهد رمضان احمد
والقائد محمد عثمان داود ابيلح والقائد ابوالقاسم محمد زين عيسي والقائد نصرالدين ابراهيم التجاني والقائد محمد حمدان عثمان غبشة والقائد ادم حبيب هل والقائد بشير حسب الله والقائد صالح حسب الرسول كما فر كل من أبو الجود المسيري وأنور كوشيب مع اثنين آخرين من القادة إلى تشاد حيث تم توقيفهم بصورة مهينة في مخفر (أدي) بمنطقة (سلطنة دار سيلا) شرق تشاد. وفي سياق متصل قُتل عدد من القادة سابقآ في عمليات نوعية في محاور متعددة من بينهم القائد عبد المنعم شيريا في جبل كردفان والقائد حسب الكريم محمد ماكن (حسبو) في عملية نوعية بمنطقة الحمادي والقائد حسن رابح في محور أم كريدم والقائد رحمة الله المهدي (جلحة) في الخرطوم، والقائد التاج فولجنق في محور أم روابة كما أُصيب أحمد حماد درمود بجروح بليغة وهو الذي تمّت ترقيته إلى رتبة ملازم أول مؤخرًا من قبل القائد الهالك حميدتي وفي ظل هذه الخسائر المروعة لا تزال مصائر بعض القادة مثل القائد إسماعيل حسن والقائد التاج التجاني والقائد حسين برشم عبود مجهولة وبعضهم أُصيب بجروح خطيرة ما يعكس حالة من الفوضى والقلق داخل صفوف المليشيا
القضاء على المجموعات المسلحة
لم تقتصر الخسائر على القيادات فقط بل شملت المجموعات العسكرية المسيرية حيث قُتل الآلاف من الجنود وضباط الصف وتعرضت العديد من المجموعات ذات الجذور القبلية لتدمير شبه كامل أبرزها المجموعة (31) بقيادة محمود شيخ الدين والمجموعة (25) بقيادة محمد الدودة والمجموعة (32) بقيادة أحمد أبو علي والمجموعة (42) التي تناوب على قيادتها كل من جلحة ثم أحمد حمدين وأخيرًا أبو الجود (الهارب إلى تشاد) ومجموعة أبي عرديب (449) بقيادة جويد حجير والمجموعة (104) بقيادة حسين برشم والمجموعة (28) بقيادة صالح أحمد أبو ملسة والمجموعة (37) بقيادة عبد الله شياطين والمجموعة (27) بقيادة جبريل إبراهيم البشير
والمجموعة (36) بقيادة الصادق ماكن ثم عمر قرنوف والمجموعة (393) بقيادة عبد الرحمن عطش والمجموعة (307) بقيادة الجنرال عبد القادر وتم قتل أفراد مجموعة الكوبرا التي قام بتدريبها المليشي بيلو كما تم قتل أو اعتقال عدد آخر من القادة منهم إسماعيل يوسف وموظف التأمين الصحي بمدينة الفولة موسى عبد المنعم الشوين (نجل الناظر عبد المنعم الشوين) وكان والده الناظر عبد المنعم الشوين قد مات حسرة على معاملة ابنه غير الكريمة وحمدتو حماد فرج ومهدي عبد الجليل بكار وحمدون والعميد خلا أحمد عوض
التوترات الداخلية والتفكك القبلي
أدى مقتل موسى الشوين تحت التعذيب إلى تفجّر الخلافات داخل قبيلة المسيرية خاصة بين بطون الفلايتة (أولاد سرور والمتانين) من بطون المسيرية الحمر العجايرة رغم تحالفهم السابق ضد أولاد هيبان من بطون المسيرية الزرق هذه الانقسامات تُعبّر عن فقدان القبيلة لبوصلة تماسكها الاجتماعي وتكشف عن تدهور التنظيم التقليدي أمام تصاعد نفوذ القوى العسكرية الموالية للمليشيا
التحالفات الاستراتيجية والأبعاد السياسية
تُظهر العلاقة الاستراتيجية المعقدة بين حميدتي ودينق الور والدكتور فرانسيس دينق مجوك استخدام تكتيك التوازنات القبلية لبسط السيطرة الميدانية فقد تم تجنيد عناصر من الدينكا نوك في صفوف الدعم السريع وهي خطوة اعتبرها الكثيرون تهديدًا مباشرًا وطويل الأمد لوجود المسيرية خصوصًا في المناطق المتنازع عليها مثل أبيي خاصة هناك حرب مؤجلة بين الطرفين والخطورة في تسليح شباب دينكا نوك وعدم خوضهم للحرب بينما يموت شباب المسيرية في ظل ضعف تسليحهم وهذا ما يحول القوة لصالح دينكا نوك خصوم المسيرية التقليديين ورغم التضحيات العسكرية الكبيرة التي قدمتها القبيلة فإن غياب التمثيل السياسي الفعّال وحرمانهم من المناصب العليا أدّى إلى تهميش دورهم وأفقدهم القدرة على التأثير في المعادلات السياسية
تذويب ولاية غرب كردفان
في (4) مارس (2025م) تم توقيع الدستور الانتقالي لجمهورية السودان في نيروبي من قبل حكومة تحالف تأسيس والذي تضمّن تعديلات جوهرية مست بمصير ولاية غرب كردفان حيث تم تذويبها وتوزيع محلياتها على ولايتي شمال كردفان وجنوب كردفان على غرار بروتوكول المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق) في اتفاقية نيفاشا (2005م)
فقد تم ضم المحليات الشمالية إلى شمال كردفان وهي النهود وغبيش وود بندة والخوي والأضية وأبو زبد بينم تم ضم المحليات الجنوبية إلى جنوب كردفان جبال النوبة وهي لقاوة والسنوط وكيلك والفولة وبابنوسة والمجلد والدبب والميرم وقد قوبل هذا القرار برفض واسع من أبناء غرب كردفان وخاصة من قادة الإدارة الأهلية للمسيرية الحمر والزرق ففي (1) مارس (2025) اجتمع (23) من قادة الإدارة الأهلية في منزل الناظر مختار بابو نمر ناظر عموم المسيرية الحمر (العجايرة) بمدينة المجلد وأصدروا مذكرة احتجاج تُطالب بتأسيس إقليم غرب كردفان ككيان مستقل يضمن مصالح القبيلة ويحفظ حقوقها التاريخية حملت المذكرة توقيع الناظر مختار بابو نمر ناظر عموم قبائل المسيرية الحُمُر العجايرة والناظر عبدالمنعم موسى الشوين ناظر عموم قبائل المسيرية الحُمُر الفلايتة والناظر الصادق الحريكة عزالدين ناظر عموم قبائل المسيرية الزُّرق ووُكلائهم الثلاث السادة حامد محمد حامد البودة وكيل ناظر قبيلة المسيرية الحمر الفلايتة وبشير عجيل جودة الله مقرر نظارة المسيرية الحمر الفلايتة وإسماعيل حامدين حميدان وكيل ناظر المسيرية الحُمُر العجايرة ومحمد حمدية البشر وكيل ناظر المسيرية الزرق وموسى أحمد شايب مقرر نظارة المسيرية الزرق
وقائد قطاع غرب كردفان لمليشيا الدعم السريع المقدم خلا موسى عيسى أبوه وقائد منطقة الفولة العسكرية وابراهیم موسى التخيري
والنكور مكي ورحمه رحمه الله ومحمد عبد الرحمن الصافي والعمدة أحمد مكي على وعبد الله بابو عثمان وحبيب عبد الرحمن الدباغة ورمضان محمود الدود نمر وداود محمد عبدالله والدقيل أم قور وهاشم دندان والصديق إسماعيل حمدان وحسين جقود وادي وعزوزه حسین فضل وتم رفع المذكرة إلى رئيس اللجنة التحضيرية والتأسيسية لتشكيل هياكل الحكم الفدرالى حيث أكدوا فيها رفضهم التام لتذويب وضم ولاية غرب كردفان إلى إقليم جنوب كردفان جبال النوبة
الإدارة الأهلية واللعب بالنار
عمّقت الحرب التسييس المستمر للإدارات الأهلية وما تبعه من تجييش قبلي وجهوي في غرب السودان بتورط بعض قادتها في أتون الحرب المستمرة وبخلاف تداعياتها الكارثية وتسببها في كارثة إنسانية وتشريد ملايين السودانيين داخلياً وخارجياً فقد كرّست الحرب الانقسامات والتمزق القبلي وزعزعت من مكانة الإدارات الأهلية وإن كان انغماس القبائل في السياسة قد أبعدها عن لعب دورها الطبيعي كوسيط للسلم الاجتماعي فإن واقع الحرب حوّل كثيرًا من الإدارات الأهلية إلى مورد بشري يغذي الحرب عبر عمليات الاستنفار على أساس عرقي أو جهوي فقد ارتكب عدد من رؤساء الإدارة الأهلية في كردفان ودارفور من نظّار وعمد ومشايخ أخطاء جسيمة بمولاة مليشيا الدعم السريع ففي قبيلة المسيرية نجد أن زعماء الإدارة الأهلية المعزولين بقرارات حكومية وعلى رأسهم
من المسيرية الحُمر الفلايتة المرحوم عبد المنعم موسى الشوين (ناظر) حامد محمد حامد البودة (وكيل النظارة) بشير عجيل جودة الله (مقرر النظارة) خريف رحمة أحمد (عمدة أولاد سرور) أحمد عزاز نور الضاوي (عمدة الزيود) محمد يوسف بحر (عمدة السلامات) حمدان جار النبي (عمدة المتانين) والحاج عبيد تم حامد (وكيل عمدة الجبارات) ومن المسيرية الحُمر العجايرة مختار بابو نمر (ناظر) إسماعيل حامدين حميدان (وكيل النظارة) الدود محمد العبيد (عمدة أولاد كامل دار موته) حامد عثمان محمد (عمدة المزاغنة عارية جمال الدين) صديق شنباية الشيخ (عمدة أولاد كامل الكلايته – غشيم) الصديق حميدان عبد الجليل الصافي (عمدة أولاد كامل دار سالم) وحماد خاطر جمعة (عمدة أولاد عمران أم تمدية) ومن المسيرية الزُرق الصادق الحريكة عز الدين حميدة (ناظر) محمد حمدية البشر (وكيل الناظر) موسى أحمد شايب (مقرر النظارة) بالإضافة إلى العمد عثمان الفضل مصطفى (عمدة أولاد هيبان) عمر شرفي حماد (عمدة العنينات) وأحمد الطيب هارون (عمدة أولاد أم سليم) لقد وضع هؤلاء الزعماء مستقبل قبيلتهم في يد ميليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) دون إدراك لحجم التهديد الذي يُمثله هذا التحالف على المسيرية ومصالحهم في أبيي من جانب آخر يتضح أن تسليح شباب دينكا نقوك والنوير بدعم من قيادات في الحركة الشعبية وبعض أبناء أبيي النافذين في جنوب السودان تحت ستار القتال في صفوف مليشيا الدعم السريع لم يكن محض مصادفة بل جزء من مشروع استراتيجي يهدف إلى فرض واقع ميداني يدعم ضم أبيي إلى الجنوب في ظل انشغال الدولة السودانية بصراعاتها الداخلية وانسحابها الفعلي من إدارة الملف وقد وقعت الإدارة الأهلية للمسيرية في خطأ جسيم حين تحالفت مع مليشيا الدعم السريع ودفعت بشبابها إلى معارك خاسرة خدمت أجندات انفصالية لا علاقة لها بمصالح المسيرية هذا التحالف جعلهم في نظر الدولة خصوماً بدلاً من أن يكونوا شركاء واستنزف قدراتهم في صراعات هامشية بدلاً من التفاوض السياسي والتنسيق الدولي والحفاظ على قوتهم عبر الاستقواء بالدولة في المقابل يواصل رئيس إدارية أبيي السفير شول دينق ألاك الدفع نحو تدويل قضية أبيي مستندًا إلى نتائج استفتاء أكتوبر (2013م) الذي قاطعته قبيلة المسيرية وأسفر عن تصويت (99.98%) من المشاركين لصالح الانضمام إلى دولة جنوب السودان وتسعى حكومة الجنوب بخُطب دعم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى ترسيخ هذه النتيجة واكتساب الشرعية الإقليمية والدولية ويُعد الصمت الرسمي من الحكومة السودانية والانقسام داخل صفوف المسيرية وعدم وجود رؤية موحدة من أبرز الأسباب التي فتحت الباب أمام هذه التحركات ويُشار أيضًا إلى اعتذار حميدتي الأخير لشعب جنوب السودان عن المجازر السابقة والذي فُهم على نطاق واسع كخطوة سياسية تهدف إلى استمالة جوبا حتى وإن كان ذلك على حساب قضايا حدودية حساسة مثل أبيي وعلى الصعيد الخفي من هذا المشهد فقد لعب كل من فرانسيس دينق ودينق ألور دورًا محوريًا في تنسيق جهود دينكا نقوك مع ميليشيا الدعم السريع وهي الخطوة التي مهّدت لتسليح شباب الدينكا نقوك بأسلحة قدمتها الإمارات وكان الهدف بحسب مراقبين تنفيذ أجندة ياسر عرمان صهر قبيلة دينكا نقوك والذي يسعى إلى مشروع (السودان الجديد) الذي تبناه الراحل د. جون قرنق. وقد استغل عرمان هذه التحالفات لتعويض خسارته العسكرية بعد إبعاده من جبال النوبة والحركة الشعبية وفي خطوة أحادية مخالفة للقوانين الدولية وجّه د. رياك مشار عندما كان نائباً لرئيس دولة جنوب السودان المجلسين التنفيذي والتشريعي لإدارية أبيي التي عيّنتها جوبا لإجازة نتائج الاستفتاء الأحادي لعام (2013م) والذي سبق أن رفضه السودان والمجتمع الدولي هذا القرار جاء عقب اجتماعات ضمّت مشار وشول دينق ألاك ودينق ألور وفرانسيس دينق، تمهيدًا لرفعه إلى مجلس وزراء حكومة الجنوب للمصادقة عليه.
كما التقى مشار باللواء روبرت أفرام القائد المؤقت لقوات (اليونسفا) وطالبه بنشر شرطة جنوبية في أبيي بحجة التعامل مع اللاجئين في تحدٍّ صارخح لقرار مجلس الأمن رقم (2760) الصادر في (24 نوفمبر 2024م) والذي يمنع أي قرارات أحادية بشأن أبيي بذلك نجد إن كل هذه المؤشرات تدق ناقوس الخطر وتضع المسيرية أمام مفترق طرق فإما أن يتحركوا لحماية أراضيهم وحقوقهم التاريخية أو أن يستسلموا لمصير تُرسم ملامحه في دهاليز السياسة الدولية ويُعد تحالف الناظر مختار بابو نمر مع حميدتي أحد العوامل التي زادت من تعقيد الوضع وساهمت بشكل غير مباشر في دفع الأمور إلى هذا المنحدر الخطير وعلى عقلاء المسيرية أن يبادروا فورًا بتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر قوات (اليونسفا) والتواصل مع المجتمع الدولي للدفاع عن حقوقهم في أبيي فإذا لم يتم تبنّي رؤية موحدة وحكيمة تستعيد العلاقة مع الدولة وتوقف نزيف الدم فإن أبيي قد تُفقد إلى الأبد وسيُسجّل التاريخ أن قبيلة عريقة دفعت بأبنائها للقتال من أجل وهم وخسرت مرتين مرة برصاص الخصوم ومرة بسوء الحسابات
الانحياز المؤسسات الرسمية
رغم حجم التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء المسيرية في المعارك فإن تمثيلهم في المؤسسات الحكم المنبثقة من حكومة تأسيس ظل هامشيًا لم يُعيّن أي من قادتهم في المناصب العليا باستثناء اللواء فضل الله برمة ناصر الذي تولى رئاسة المجلس التشريعي التأسيسي وهو منصب شرفي أكثر منه تنفيذي بينما تم تفضيل قيادات مقربة من حميدتي وأخرى محسوبة على الحلو مما أثار استياءً واسعًا داخل الأوساط القبلية للمسيرية وطرح أسئلة حول التمييز والتهميش الممنهج
رفض قوي من داخل بيت النظارة وتبرؤ من موقف الناظر بابو نمر
شهد بيت الناظر بابو نمر رفضًا قويًا من خمسة من أبنائه الذين استنكروا موقف أخيهم الناظر مختار المنحاز إلى المليشيا حيث أصدر كل من الصادق بابو نمر وسيف الدين بابو نمر وكامل بابو نمر وحيدر بابو نمر وأبو القاسم بابو نمر بيانات أكدوا فيها على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان مشيرين إلى أن الجيش الوطني هو مصدر الحماية وصمام الأمان ورمز السيادة والوطنية واستهجنوا ورفضوا موقف الناظر مختار معتبرين إياه (موقفًا مشينًا) ومنحازًا للمليشيا خاصة بعد أن تنكر لموقفه المعلن سابقًا وللموروث التاريخي للناظر بابو نمر هذا الرفض الداخلي من داخل البيت القيادي للمسيرية يُظهر التصدع الذي بدأ يهدد وحدة القبيلة السياسية والعسكرية وحتى الإجتماعية في ظل ما يراه العديد من أبناء المسيرية انحرافًا في موقف القيادة لصالح مصالح عسكرية لا تخدم أصول وأهداف القبيلة
أصوات الغضب تتصاعد
في ظل مقتل القادة الميدانيين وتجاهل علاج الجرحى وتهميش قبيلة المسيرية بإقصاء أبنائها من المواقع القيادية في حكومة تأسيس إضافة إلى ضعف التسليح برزت موجة غضب واضحة على وسائل التواصل الاجتماعي عبّر خلالها عدد من أبناء القبيلة من منسوبي مليشيا الدعم السريع عن استيائهم ووجّه بعضهم تهديدات بالخروج من صفوف المليشيا هذه التحركات التي خرجت من القاعدة الاجتماعية للمسيرية تثير قلقًا بالغًا في صفوف القيادة الميدانية حيث تشير إلى تزايد شعور الخديعة بين أفراد القبيلة الذين وجدوا أنفسهم وقودًا لحرب لا تضمن لهم لا موقعًا في السلطة ولا حماية لمكتسباتهم التاريخية وعلى الرغم من التحذيرات فإن القيادة لم تجد آذانًا صاغية لمطالب القاعدة الشعبية مما يهدد بحدوث تصدع محتمل في صفوف مليشيا الدعم السريع من الداخل
بين الدم والهوية: ماذا بعد؟
قف قبيلة المسيرية اليوم على مفترق طرق مصيري حيث دفعت ثمناً باهظًا من دماء أبنائها وقياداتها وتعرضت وحدتها القبلية لتصدعات خطيرة انتهى بها الأمر إلى تهميش سياسي وإداري غير مسبوق هذه الخسائر على المستويين البشري والجغرافي تعكس فشلًا استراتيجيًا مزدوجًا
1. التحالف غير المدروس مع مليشيا الدعم السريع رغم المساهمة الكبيرة للمسيرية في المعارك العسكرية فقد كان التحالف مع مليشيا الدعم السريع كارثيًا على المدى البعيد هذا التحالف جعل القبيلة محط الأنظار وفي بعض الأحيان مستهدفة من خصوم سياسيين وعسكريين داخل السودان وخارجه والنتيجة كانت تمزق المجتمع المسيري والتراجع عن كثير من الحقوق التاريخية والسياسية
2. فشل المواكبة للتحولات السياسية والعسكرية لم تتمكن القبيلة من مواكبة التحولات الكبرى التي شهدها السودان منذ التغيير في (2019م) ولم تتمكن من المحافظة على قوتها السياسية وعلاقاتها الاستراتيجية مع الفاعلين في المشهد السوداني
وفي المقابل فإن صعود الدينكا نوك سياسيًا وعسكريًا بدعم من أطراف داخلية وخارجية يمثل تهديدًا وجوديًا مباشرًا لمستقبل المسيرية في أبيي وغرب كردفان هذا التهديد يعيد تشكيل المعادلات في المنطقة ويجعل مستقبل المسيرية مرتبطًا بتحديد موقف حاسم فيما يتعلق بمنطقة أبيي
الخطوات المستقبلية
من هنا فإن المطلوب حاليًا هو
1. تحرك قبلي ومجتمعي موحد لحماية الحقوق التاريخية للقبيلة
2. إعادة بناء التحالفات السياسية مع القوى الوطنية
3. مراجعة العلاقة مع المليشيات المسلحة وعلى رأسها الدعم السريع والذي كان يمثل في البداية حليفًا سياسيًا وعسكريًا ولكن تبين أنه أكثر تدميرًا لوحدة القبيلة ومكتسباتها
4. توحيد الصفوف بين مختلف بطون المسيرية (الحُمُر و الزُرق) مسيرية كردفان ودارفور
5. الضغط من خلال لوبي سياسي فعال على المستويين الوطني والدولي لضمان عدم فقد أبيي
6. رفض أي تعديل جغرافي يمس أراضيهم أو يهدد هويتهم سواء عبر التذويب الإداري لولاياتهم أو التنازل عن أبيي
التحديات الكبرى ونهضة القبيلة
إن ما تمر به قبيلة المسيرية اليوم يُعد اختبارًا حقيقيًا لقوتها ومرونتها هي قادرة إذا ما توحدت على إعادة صياغة دورها كفاعل محوري في السودان لا مجرد ضحية لصراعات الآخرين وبالرغم من التحديات الكبرى فإن نهوض القبيلة من جديد يتطلب وعيًا سياسيًا وتنظيميًا مشتركًا وخصوصًا في هذا الوقت الذي لم تعد فيه المعركة مقتصرة على ساحات القتال فقط بل أصبحت معركة سياسية بامتياز.