تقرير: عادلة عادل
في وقت تتعاظم فيه معاناة آلاف الأسر السودانية جرّاء الحرب والنزوح، تواصل الهيئة النسوية السودانية القومية تقديم نموذج مُلهِم لعمل المرأة في الميدان الإنساني والمجتمعي، عبر مبادرتها المتجددة “كونوا سند للمتضررين” التي انطلقت هذا الأسبوع نحو مدينة الدبة دعماً للنازحين في معسكر العفاض، وبالأخص لأهل فاشر السلطان الذين أرهقتهم جراح الحرب.
نساء يتقدمن الصفوف… إرادة لا تنكسر
تمثل الهيئة النسوية السودانية القومية اليوم واحداً من أقوى الكيانات النسوية التي فرضت حضورها رغم الظروف القاسية التي تمر بها البلاد. فهي كيان نسوي نشأ في قلب الأزمة، وشق طريقه وسط الصعاب، مستنداً إلى إرادة نساء قويات، مثابرات، صامدات، لم تتراجع عزيمتهن رغم التحديات الأمنية والاقتصادية.
تعمل الهيئة بإيمان راسخ بأن المرأة ليست مجرد متلقية للعون، بل هي قائدة تغيير وقادرة على حمل همّ المجتمع في أحلك اللحظات. وبذلك أصبحت الهيئة صوتاً للنساء، وظهيراً للضعفاء، وسنداً عملياً للمتضررين في كل مكان.
مبادرة “كونوا سند للمتضررين”… دعم إنساني يتجدد
منذ تأسيسها، أطلقت الهيئة عدداً من المبادرات الإنسانية، غير أن مبادرة “كونوا سند” تُعد من أوسعها أثراً، إذ حملت فرق الهيئة إلى مناطق النزوح لتقديم:
مواد غذائية وإيوائية
احتياجات النساء والأطفال
دعم نفسي واجتماعي للناجيات والمتضررين
مساندة الأسر التي فقدت مصادر رزقها
وتُنفَّذ المبادرة هذه المرة في معسكر العفاض بالدبة، حيث توجه وفد نسوي متكامل لمؤازرة الأسر القادمة من الفاشر، وتأكيد أن السودانيين مهما افترقت بهم الحرب، يجمعهم الوجع ويقويهم التضامن.
كباية شاي مع جندينا… رسالة قوة للمرابطين
واحدة من أجمل الأنشطة التي تُحيي الروح في المجتمع هي المبادرة الدورية التي تنظمها الهيئة تحت شعار “كباية شاي مع جندينا”.
هذه الفعالية النسوية البسيطة في شكلها، العميقة في معناها، تحولت إلى رسالة وطنية عنوانها: “لسنا بعيدين عنكم… نحن سندكم في كل الظروف.”
تقوم عضوات الهيئة بزيارة الجنود والمرابطين، وتقديم وجبات خفيفة وكوب شاي يحمل حرارة الامتنان والتقدير، إضافة لرفع الروح المعنوية، وإيصال رسالة أن النساء شريكات في الحماية والصمود والبناء.
حقيبة الجندي… دعم معنوي ولوجستي يعزز الصمود
ولم تكتفِ الهيئة النسوية السودانية القومية بفعالية “كباية شاي مع جندينا” فقط، بل ابتكرت برنامجاً إنسانياً آخر يحمل معنى التقدير والعرفان للمرابطين، من خلال توزيع حقيبة الجندي في مواقع الخدمة.
تحتوي الحقيبة على مجموعة من المستلزمات الضرورية التي يحتاجها الجندي في الميدان، مثل:
أدوات نظافة شخصية
مواد غذائية جافة وخفيفة
مشروبات طاقة وسكريات تساعد على التحمل
وتمثل هذه الحقيبة رسالة واضحة بأن المرأة السودانية تقف مع جنود الوطن قلباً وقالباً، وأن روح التضامن تتجاوز حدود الجغرافيا لتصل إلى كل موقع رباط، مؤكدة أن “جنودنا ليسوا وحدهم… نحن سندهم”.
بهذه اللمسات الإنسانية، استطاعت الهيئة أن تجمع بين الواجب الوطني و مشاعر الامتنان، مقدمة نموذجاً ملهمًا في كيفية دعم المقاتلين ورفع معنوياتهم في أصعب الظروف.
فرحة الأطفال… ابتسامة صغيرة تُعيد الحياة لقلوب أنهكتها الحرب
وفي إطار اهتمام الهيئة النسوية السودانية القومية بالجانب الإنساني والاجتماعي لجميع فئات المجتمع، خصصت برنامجاً مؤثراً يحمل اسم “فرحة الأطفال”، يستهدف الصغار في مراكز الإيواء الذين فقدوا بيوتهم وألعابهم وحياتهم الآمنة.
يعمل البرنامج على توزيع ملابس جديدة للأطفال بمختلف الأعمار، إلى جانب الهدايا البسيطة والأنشطة الترفيهية التي ترسم البهجة على وجوههم. وتحرص عضوات الهيئة على اختيار ملابس بألوان زاهية ومقاسات متنوعة، تأكيداً على أن للطفل حقاً أصيلاً في الفرح، حتى في أصعب الظروف.
وتقول عضوات الهيئة إن الهدف من البرنامج هو:
“إعادة شيء من الفرح المسلوب، ومنح الأطفال لحظة أمان تُشعرهم بأنهم ما زالوا يستحقون الحياة والجمال، مهما اشتدت قسوة الأيام.”
يمثل برنامج فرحة الأطفال رسالة إنسانية سامية تؤكد أن الهيئة لا تكتفي فقط بمساعدة الأسر في احتياجاتها الأساسية، بل تذهب إلى أبعد من ذلك بمحاولة المسح على جراح الروح، وإحياء الأمل في قلوب الصغار الذين يشكلون المستقبل والرجاء.
حراك فعال في زمن الصعاب
في وقت تتراجع فيه كثير من الفعاليات المدنية بسبب الحرب، أبت الهيئة النسوية السودانية القومية إلا أن تكون حراكاً حقيقياً فعالاً، يضع بصمته بوضوح في:
العمل الطوعي
دعم المجتمع
صون كرامة النساء
تعزيز روح التضامن
الوقوف مع الضعفاء والمنكوبين
فهي تتحرك بإمكانات متواضعة لكنها مدعومة بإرادة نساء مؤمنات بأن الوطن يُبنى بالأفعال، وأن العطاء لا ينتظر توفر الظروف المثالية.
لا تزال الهيئة النسوية السودانية القومية تثبت أن المرأة السودانية، رغم كل الألم، قادرة على تحويل المحنة إلى منحة، والضعف إلى قوة، والظروف القاسية إلى مساحة للعمل والعطاء.
إن مبادرة كونوا سند للمتضررين في الدبة ليست مجرد قافلة مساعدات، بل هي رسالة وطنية وإنسانية تقول:
“سنظل سنداً لبعضنا… حتى تعود الأرض آمنة، ويعود كل نازح إلى بيته، ويعود للوطن عافيته.”

