درس خاص: عبدالعظيم قولو
من بين ركام النسيان والصراع، ترتفع صرخة مدوية من مدينة الفاشر، فاشر التاريخ والحضارة. لقد تحولت هذه المدينة الصامدة، التي تأوي مئات الآلاف من النازحين، إلى أيقونة للمأساة الإنسانية التي يفاقمها الحصار الخانق والقصف المستمر. إنها “المدينة المنسية” التي تعاني وتنزف بعيداً عن أضواء الاهتمام الكافي حتي من أبنائها.
لقد باتت الفاشر تختنق يوماً بعد يوم… الأطفال يموتون جوعاً، والأمراض التي كان يمكن السيطرة عليها تنتشر كالوباء، وعلى رأسها الكوليرا والأمراض التنفسية. المستشفيات القليلة المتبقية تتعرض للاستهداف والتدمير، وانعدام الدواء والمستلزمات الطبية دفع الأوضاع الصحية إلى مستوى كارثي، بينما القتل والقصف العشوائي لا يرحم حتى المساجد ومراكز إيواء النازحين. هذا ليس مجرد صراع مسلح، بل هو كارثة إنسانية ممنهجة تهدد حياة ما يقارب مليون ونصف المليون شخص يعيشون في رعب دائم.
لذا، إننا نتوجه بالنداء العاجل والمسؤول إلى حكومة السودان، وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء كامل إدريس، وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي . فالمسؤولية عن حماية المدنيين وتقديم الإغاثة هي مسؤوليتكم الأولى والأخيرة.
عليكم أن تتخذوا خطوات فورية وجادة لـ: فك الحصار فوراً، وفتح جسر جوي لإسقاط الغذاء والدواء والإمدادات الطبية العاجلة، بجانب الإمدادات العسكرية التي أصبحت سهلة الوصول بعد كسر الحصار الجوي المفروض على المدينة. أين هي اللجنة التي تسمي نفسها بـ “نفرة فك حصار الفاشر”؟ أم كانت لجاناً للتكسب السياسي والشو الإعلامي؟ التقاعس الآن يعني وصمة عار لن يغفرها التاريخ. الفاشر تحتاج إلى تحرككم الآن وقبل فوات الأوان.
لقد ظلت الأمم المتحدة تحذر مراراً وتكراراً من أن الأوضاع في الفاشر قد ترقى إلى مستوى الفظائع وجرائم الحرب. لكن التحذيرات وحدها لا تطعم جائعاً ولا تعالج مريضاً. إن الحصار، والجوع، والنزوح القسري، هي أدوات حرب غير مقبولة في القرن الحادي والعشرين، لأنها تخالف كافة المواثيق والقوانين الدولية.
إن نداءنا للمجتمع الدولي ليس طلباً للعطف، بل هو استجداء للالتزام الأخلاقي والقانوني بحماية المدنيين نطالبكم بممارسة الضغط الأقصى والفوري على قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها لـفتح الممرات الإنسانية الآمنة والمستدامة، لضمان وسلامة وصول المساعدات والإغاثة إلى المواطنين المتواجدين في مدينة الفاشر ،ودراسة آليات عاجلة لمنع تحول الأزمة إلى إبادة جماعية أو تطهير عرقي، كما حدث في مدينة الجنينة بغرب دارفور، وضمان المساءلة عن الانتهاكات.
خاص جداً:
إن سكان الفاشر هم بشر، لهم الحق في الحياة الكريمة والأمن، فلا تدعوا هذه المدينة، بتاريخها الصامد، تتحول إلى مجرد مقبرة جماعية وشاهد آخر على فشلنا المشترك في حماية الإنسانية. يجب أن نتكاتف لننزع عنها لقب “المنسية” إلى الأبد. تحركوا الآن يا برهان، العالم يراقب! والتاريخ لا يرحم…
“إنقاذ الفاشر ليس خياراً، بل هو واجب إنساني ووطني لا يقبل التسويف.”