بورتسودان – دارفور الآن
جدّد المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول تحذيراته من التدهور الخطير لأوضاع حقوق الإنسان في السودان، مؤكدًا أن الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، في ظل صمت إقليمي ودولي وصفه بالمخجل.
وجاء ذلك خلال بيان ختامي صدر بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، و في أعقاب الدورة التدريبية حول الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، التي نظمها المركز على مدى يومين خلال الفترة من 12 إلى 13 ديسمبر الجاري، بقاعة الشهداء برئاسة هيئة الموانئ البحرية في مدينة بورتسودان، بمشاركة مهتمين وناشطين في الشأن الحقوقي.
وأكد البيان أن اليوم العالمي لحقوق الإنسان يحلّ هذا العام والسودان يعيش واحدة من أعقد مراحله التاريخية، حيث تفاقمت الأزمات الإنسانية والانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك استهداف المدنيين، وانهيار الخدمات الأساسية، واتساع رقعة النزوح، والتدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة الاعتداءات التي طالت ملايين السودانيين، خاصة النساء والأطفال وكبار السن.
وشدد المركز على أن استحضار المرجعيات الدولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق الأفريقي، واتفاقيات جنيف، يجب ألا يقتصر على الشعارات، بل أن يُترجم إلى التزامات فعلية تحمي المدنيين وتضمن كرامتهم، وتحاسب منتهكي الحقوق.
وأدان البيان بشكل واضح الانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في مختلف أنحاء البلاد، مشيرًا إلى الهجمات المباشرة على المدنيين، والنهب الواسع، وحرق القرى والأحياء، وعمليات التطهير العرقي، والعنف الجنسي، والإعدامات خارج نطاق القضاء، إضافة إلى التهجير القسري والسيطرة على المناطق السكنية.
وسلط المركز الضوء على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بوصفها نموذجًا فاضحًا للانتهاكات الممنهجة، في ظل حصار تجاوز 15 شهرًا، وهو من أطول فترات الحصار مقارنة حتى بالحروب العالمية، وما صاحبه من استهداف للأحياء السكنية والأسواق والمنشآت الصحية ومخيمات النازحين، وانهيار شبه كامل للخدمات، ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين.
وأشار البيان إلى تصريحات المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، التي أعرب فيها عن قلقه البالغ من احتمال تكرار الفظائع في الفاشر ومناطق أخرى، من بينها كردفان، لا سيما مع تراجع التمويل المخصص لبرامج الحماية، لافتًا إلى أن قرار وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على مليشيا الدعم السريع يعكس الطابع المنظم والواسع لهذه الجرائم.
وأكد المركز أن الإشارة إلى الفاشر لا تعني حصر الانتهاكات فيها، بل باعتبارها مثالًا من بين انتهاكات واسعة شملت ولايات ومناطق متعددة، ظلت تعاني من الحصار والنزوح والاعتداءات على المدنيين.
وطالب البيان بالوقف الفوري لجميع الانتهاكات، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ورفض استخدام الجوع أو الحصار كسلاح ضد المدنيين، مع التشديد على ضرورة إعمال مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب عبر تحقيقات مستقلة ومحايدة.
كما دعا المركز المجتمعين الإقليمي والدولي إلى تعزيز الدعم الإنساني والحقوقي للسودان، وأدان أي دعم خارجي يسهم في تأجيج النزاع، وخص بالذكر دولة الإمارات العربية المتحدة، متهمًا إياها بتقديم دعم عسكري ولوجستي وسياسي للمليشيا، بما يشكل – وفق البيان – انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني وتهديدًا مباشرًا لأمن المدنيين.
وأشاد المركز في ختام بيانه بالدور الذي اضطلع به السودانيون في الداخل والمهجر، والذين نجحوا في إيصال صوت الضحايا إلى المنابر الإقليمية والدولية، كما ثمّن مواقف الشعوب الحرة حول العالم التي وقفت إلى جانب الشعب السوداني بحملات التضامن والمناصرة.
وأكد المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول التزامه بمواصلة جهوده في ترقية أوضاع حقوق الإنسان، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، ودعم التحول وبناء السلام المستدام، مشددًا على أن الكرامة الإنسانية ستظل صوتًا حيًا لا يخبو مهما اشتدت العواصف.

