تقرير – عبدالعظيم البشرى
تواصل مليشيا الدعم السريع حصار مدينة الفاشر منذ أكثر من عام، مانعة دخول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من السكان المحاصرين. لم يقتصر الأمر على الحرمان من أبسط مقومات الحياة، بل ارتكبت المليشيا خلال الحصار انتهاكات مروعة، شملت قصف الأحياء السكنية والمستشفيات ومعسكرات النازحين، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من النساء والأطفال وكبار السن.
وعلى الرغم من المناشدات والقرارات الدولية المطالبة بإنهاء الحصار، ووقف القتال فورًا، تصاعدت الاعتداءات وكأن المليشيا تعلن تحديها الصريح للعالم: “لن توقفنا بياناتكم ولا تحذيراتكم”. أما المجتمع الدولي، فاكتفى بالإدانات وإبداء القلق، دون أي تحرك فعلي يحمي المدنيين من التجويع والقصف العشوائي. وسط هذا كله، يزداد الألم نتيجة صمت المجتمع الدولي، الذي لم يتمكن من حماية قراراته، لتظل حياة أهالي الفاشر معلقة بين الموت بسبب التجويع والقصف، وبين الأمل الباهت في تدخل عاجل يحمي المدنيين ويوقف الانتهاكات.
أعددنا هذا التقرير لتسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية المأساوية في الفاشر، لفهم أسباب تحدي مليشيا الدعم السريع للقرارات الأممية، وللتساؤل عن صمت المجتمع الدولي وعدم تحركه لمواجهة هذا التحدي الصارخ.
قرار بلا جدوى
في يونيو 2024، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2736 (2024)، الذي طالب مليشيا الدعم السريع بإنهاء حصارها للفاشر، وخفض التصعيد، وسحب مقاتليها من محيط المدينة. لكن بدل الامتثال، شددت المليشيا قبضتها على المدينة وصعّدت من استهداف المدنيين.
وفي الأسبوع الماضي، جدد المجلس مطالبته برفع الحصار فورًا، وحذر من تفاقم خطر المجاعة. ورغم ذلك، واصلت المليشيا قصف الفاشر ومعسكرات النازحين، بينما ظل رد المجتمع الدولي محصورًا في بيانات الشجب والقلق.
منظمة غير فاعلة لحفظ الأمن والسلم:
يرى الدكتور التجاني سيسي، رئيس قوى الحراك الوطني، أن الأمم المتحدة لم تعد قادرة على حفظ الأمن والسلم في العالم. وقال لـ”دارفور الآن”: “القرارات الأممية تفتقر إلى الآليات التي تمكن المنظمة من إنفاذها. القرار 2736 خير مثال، إذ لم يمتثل له الدعم السريع، بل ضاعف حصاره وتجويعه للفاشر، واستولى على مواد الإغاثة وأحرق قوافل المساعدات”.
وأشار سيسي إلى أن بعض القوى الإقليمية والدولية لها مصلحة في استمرار الحرب بالسودان، مستشهدًا بدور الإمارات في تلميع صورة المليشيا ومنع اتخاذ إجراءات جدية ضدها.
جهل بالقرارات الأممية:
من جانبه، قال الدكتور عبدالرحمن حسن سعيد، الأمين العام لمجلس الصحوة الثوري السوداني، لـ”دارفورالآن” إن تحدي المليشيا للقرارات الدولية ناتج عن جهلها السياسي بتأثير تلك القرارات على مستقبلها، بجانب سعيها للضغط على الحكومة وإجبار المواطنين على مغادرة الفاشر. وأضاف: “القصف العشوائي للمواطنين يمثل انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني، وتحديًا للمؤسسات الدولية. هذه المليشيا تتصرف وكأنها فوق الجميع، وتتصاعد انتهاكاتها كلما صدرت بيانات دولية بشأن الحصار”.
وأوضح أن للفاشر رمزية خاصة؛ فهي العاصمة التاريخية لدارفور، وتضم الفرقة السادسة مشاة، وهي المدينة الكبرى الوحيدة في دارفور تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية. لهذا السبب، يقول سعيد، كرّست المليشيا كل قوتها لإسقاطها، لكنها فشلت أمام صمود الجيش والمقاومة الشعبية وأهالي الفاشر الذين صدوا أكثر من 230 هجومًا.
الكيل بمكيالين وصمت المجتمع الدولي:
أما سيف الدين آدم صالح ضي النعيم، الأمين السياسي لحزب العدل والمساواة القومي، فاتهم المجتمع الدولي بالتراخي في مواجهة جرائم الدعم السريع التي ترتقي لجرائم حرب وإبادة جماعية. وقال: “حصار الفاشر ومنع الغذاء والدواء جريمة حرب مكتملة الأركان. مجلس الأمن أصبح عاجزًا عن أداء مهامه بسبب استخدام الفيتو، والأمم المتحدة تكيل بمكيالين”.
وأكد ضي النعيم في تصريح لـ”دارفور الآن” أن المجتمع الدولي يتجاهل جرائم بشعة، مثل ما حدث في الجنينة وتصفيات القيادات، بينما تستمر المليشيا ومرتزقتها الأجانب في ارتكاب الفظائع. وأضاف: “حصار الفاشر وصمة عار في جبين الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ندعو الأحرار وأصحاب الضمائر لإدانة هذه الجرائم، ونحذر الدول الداعمة للمليشيا – وعلى رأسها الإمارات – من أن يد السودان ستطالها عاجلًا أو آجلًا”.
المال الإماراتي وراء تعطيل القرارات:
اعتبر الباشمهندس محمد آدم كش، رئيس حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي في ولاية شمال دارفور، أن تحدي مليشيا الدعم السريع للقرارات الأممية يعود إلى إدراكها لغياب الجدية في إنفاذ العقوبات الرادعة.
وقال في حديثه لـ”دارفور الآن”: “المليشيا تعلم أن الجهات الممسكة بزمام هذه القرارات ليست جادة في فرضها، كما تدرك أن الداعم الأساسي لهذه الحرب هو الإمارات، التي سخرت أموال شعبها لشراء ذمم العديد من المؤسسات الدولية. كان يفترض أن تُتخذ إجراءات صارمة تجاه منع إدخال المساعدات الإنسانية أو خرق القوانين الدولية، وعلى رأسها قانون منع حصار المدن.”
وأضاف: “المال الإماراتي لعب دورًا كبيرًا في تقويض مواقف مؤسسات عديدة، بما في ذلك المحاكم الدولية التي تجاهلت شكاوى السودان بشأن تدخل الإمارات في قتل المدنيين بالجنينة وغيرها.”
وأكد كش أن هذه العوامل مجتمعة جعلت المجتمع الدولي يتعامل مع قراراته بعدم جدية، مشددًا: “لو أن المجتمع الدولي فرض قراراته بصرامة، وواجه الجهات الرافضة للامتثال بالمحاسبة الحقيقية، لما تمادت المليشيا في حصارها للفاشر وتحديها للقوانين الدولية.”
شريك في الانتهاكات:
وشدد عبدالعزيز سليمان أوري، مدير إدارة الثقافة والإعلام بحكومة إقليم دارفور، على أن الأمم المتحدة مطالَبة بتجاوز مرحلة التعبير عن القلق وإصدار البيانات، والتحرك بخطوات عملية وجادة لحماية المدنيين، عبر إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفاشر، حتى لو تطلب الأمر إسقاطها جوًا بواسطة طائراتها وتحت حمايتها المباشرة، كما فعلت في مناطق نزاع مشابهة حول العالم.
وأضاف في تصريح لـ”دارفور الآن” أن صمت مجلس الأمن الدولي تجاه الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، وحرمان آلاف المدنيين من الغذاء والدواء والمأوى، فضلاً عن دعم بعض الدول الأعضاء بالمجلس للمليشيا عسكريًا ولوجستيًا، بعث برسائل خاطئة جعلت المليشيا تعتقد أن المجلس شريك في ما تقوم به، أو على الأقل راضٍ عن تلك الانتهاكات بحق المدنيين.