تقرير: عبدالعظيم البشرى
صمدت مدينة الفاشر تحت وطأة الحصار والهجمات المسلحة المتكررة، لكنها تواجه اليوم واقعًا أكثر قسوة من مجرد بطولات تُروى أو شعارات تُرفع. شنّت مليشيا الدعم السريع وحلفاؤها أكثر من 236 هجومًا على المدينة خلال العامين الماضيين، ما أدى إلى انهيار كبير في الخدمات الأساسية واستنزاف أرواح السكان.
الجوع والمرض يضربان سكان المدينة بلا هوادة، فيما تتراجع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية عن القيام بدورها الفعلي. تؤكد تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر أن الركون إلى أسطورة “الصمود وحده” خطير، وأن تجاهل الأزمة يعيد إنتاج سيناريوهات مدن أخرى مثل نيالا، حيث لم يشفع الصمود أمام تخاذل العالم وصمته.
حصار خانق ينهك المدينة:
فرضت المليشيا حصارًا صارمًا على المدنيين لمدة عامين تقريبًا، ما أدى إلى نفاد المواد الغذائية والأدوية واضطرار الأهالي لتناول الامباز للبقاء على قيد الحياة. تتوارد تقارير من الفاشر تؤكد أن الأسواق خالية من السلع الأساسية وأن الأطفال والنساء يعانون الجوع مباشرة.
تؤكد الجهات الحقوقية أن المليشيا وأعوانها ارتكبوا جرائم إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا، وتطالب بتحرك عاجل لدعم القوات الأمنية والفصائل المحلية لفك الحصار وفتح طرق آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية.
الفاشر المنهكة: الجوع والاعتداءات تهدد حياة آلاف المدنيين
دعوات مستمرة لفك الحصار:
وجهت الحكومة السودانية ومنظمات حقوق الإنسان دعوات عديدة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للتدخل الفوري لفك الحصار وفتح الممرات الإنسانية. شددت الدعوات على أن مئات الآلاف من المدنيين يواجهون خطر الموت جوعًا بصورة متعمدة وأن القانون الدولي يحظر استخدام التجويع كسلاح في الحروب.
طالب رئيس الوزراء كامل إدريس المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف هذه الممارسات وحماية المدنيين، مؤكدًا أن الصمت الدولي أمام هذه الأزمة سيترك آثارًا مأساوية على السكان.
لجنة وطنية لفك الحصار… لكن الأزمة تتعقد يومًا بعد يوم
شعب متحد وليس أمم متحدة:
على الرغم من النداءات الدولية، بقيت الاستجابة ضعيفة. يشدد المسؤولون المحليون على أن الحل يحتاج إلى تحرك شعبي موحد أكثر من الاعتماد على المجتمع الدولي.
يشير مدير إدارة الثقافة والإعلام بحكومة إقليم دارفور عبدالعزيز سليمان أوري إلى أن ما يحدث في الفاشر لا يحتاج إلى تدخل الأمم المتحدة بقدر ما يحتاج إلى شعب متحد يقاتل المليشيا ويعيد فتح المدينة. العالم يشاهد تدمير مخيمات النازحين، والمليشيا تعود بعد عشرين عامًا لارتكاب نفس الجرائم في مناطق يفترض أن تكون محمية دوليًا.
اللجنة الوطنية لفك الحصار:
في 13 أغسطس 2025، عقد نائب حاكم دارفور مصطفى تمبور اجتماعًا مع اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر، بحضور ولاة دارفور وعدد من الوزراء وقيادات سياسية ومجتمعية. استعرضت اللجنة خطة عملها لتقديم الدعم للمدنيين، خاصة توفير الغذاء والإيواء، مع التحذير من ضعف استجابة المنظمات الإنسانية الدولية. وأكد تمبور أن الجهود جارية وأن الفرج قريب.
أكثر من 236 هجومًا على الفاشر… المدنيون بلا حماية
إنتقادات:
واجهت أعمال اللجنة انتقادات واسعة، إذ أصبح الحل العسكري هو الخيار الوحيد بعد نفاد الحلول السلمية ورفض مليشيا الدعم السريع الهدنة الإنسانية وفشل المجتمع الدولي في إيصال المساعدات.
تشير تقارير من المدينة إلى أن الدعم المقدم من التكايا الغذائية غير موجود وأن الأسواق خاوية من معظم السلع الأساسية.
ويؤكد القيادي السابق بالكتلة الديمقراطية محي الدين إبراهيم جمعة أن حكومة الإقليم كانت مطالبة ببدء تنفيذ ما تم التوافق عليه في خارطة طريق مؤتمر البركل 1 بالتنسيق مع قوات الكفاح المسلح والقوات النظامية، وتقييم النتائج على الأرض. كما يشير إلى أن الاجتماعات الحالية لن تحقق أي تأثير حقيقي دون إعادة تفعيل الاتفاقات السابقة وعقد مؤتمر البركل الثاني لمتابعة التنفيذ على الأرض.
الحاجة إلى تدخل عاجل:
مدينة الفاشر ليست مجرد رمز للصمود، بل واقع إنساني حقيقي يعيش فيه آلاف المدنيين تحت خطر الموت اليومي. تحتاج المدينة اليوم إلى تدخل عاجل وفوري من جميع الأطراف، سواء محليًا أو إقليميًا، لضمان: فتح طرق آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، حماية المدنيين من الجوع والمرض.
صرخة الفاشر اليوم تمثل نداء إنساني عاجل يطالب المجتمع المحلي والدولي بالتحرك قبل فوات الأوان، وإلا فإن الصمود الطويل للمدينة سيتحول من رمز بطولة إلى مأساة لا رجعة فيها.